من الأحراز المشهورة التي ذكرها العلماء ويتداولها المؤمنون باهتمام بالغ ما عرف بحرز الإمام محمّد الجواد عليه السلام، الإمام التاسع من أئمّة أهل البيت عليهم السلام، ابن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام.
*ما هو الحرز؟
ورد في الدعاء السابع عشر من أدعية الصحيفة السجادية: “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِه، واجْعَلْ آبَاءَنَا وأُمَّهَاتِنَا وأَوْلَادَنَا وأَهَالِيَنَا وذَوِي أَرْحَامِنَا وقَرَابَاتِنَا وجِيرَانَنَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ مِنْه فِي حِرْزٍ حَارِزٍ، وحِصْنٍ حَافِظٍ ، وكَهْفٍ مَانِعٍ”(1).
الحرز: بالكسر هو الموضع الحصين، ومنه سُمّي التعويذ حرزاً، والجمع أحراز…، وحرز حارز كهف منيع كما في مجمع البحرين(2).
وورد في حجاب صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف: “واجعلهم في حرْزك وأمنك وكنفك وحفظك وعياذك وسترك برحمتك يا أرحم الراحمين”(3).
وقد كثر استعمال هذه اللفظة في ما ينقل من تعاويذ (جمع تعويذة) وحُجُب (جمع حجاب) لأغراض شتّى من قبيل الحفظ من العدوّ، والجنّ، والسحر، ونحو ذلك ممّا يذكر في هذه المجالات.
وقد ذكر الشيخ “إبراهيم الكفعمي” في كتابه المعروف بمصباح الكفعمي ثلاثة عشر حجاباً للنبيّ والأئمة (عليهم السلام أجمعين)، كلٌّ باسمه.
*حرز الإمام الجواد عليه السلام
والكلام عن حرز الجواد عليه السلام في عدّة نقاط:
أولاً: شهرة الحرز
إنّه حرز مشهور. عبّر العلامة المجلسي في بحاره عن خبره الذي سيأتي ذكره أنّه خبر مشهور متكرّر في جميع الكتب(4). ولعلّ السبب في شهرته هو أنّه ذكر في باب معجزات الإمام الجواد عليه السلام لما في قصّته من المعجزة الواضحة للإمام عليه السلام مع المأمون العبّاسيّ كما سيأتي في النقطة الثانية، وأنّه نافع عند الشدائد والنوائب ومن كلّ شيء يخافه ويحذره، بل له دخالة في غَلبة العدوّ عند غزوهم، فصار هذا الحرز بهذه الخواصّ محطّ اهتمام كثير من العلماء والمؤمنين وخُصّ بالنشر والتوزيع والعرض.
ثانياً: قصة الحرز
قصّة هذا الحرز طويلة وقد اشتملت على أحداث ليس بمستغرب صدورها عن المأمون العبّاسيّ وابنته أمّ الفضل، وخلاصتها: أنّ أم الفضل تملّكتها الغيرة على زوجها الإمام الجواد عليه السلام من امرأة أخبرتها أنّها زوجته عليه السلام، فشكَت ذلك إلى أبيها المأمون، وكان حينها سكران لا يعقل، فأخذ السيف ودخل على الإمام وما زال يضربه بالسيف حتّى قطّعه. وبعد إفاقة المأمون من سكره أدرك عظيم ما أقدم عليه فبعث بعض خدمه يأتيه بخبر الإمام عليه السلام فما لبث أن جاءه فرحاً، وأخبره بأنّ الإمام الجواد ما زال حيّاً، لا يشكو من شيءٍ في جسده أبداً. وقد أخبره الإمام عليه السلام لاحقاً بأنّ ما أنجاه من تلك الضربات وشرورها بإذن الله تعالى هو هذا الحرز(5).
ثالثاً: كيفية الاحتراز به
كتابة الحرز والأعمال المرتبطة به كما ورد في رواية هذا الحرز، فإنّ من يريد استعماله يعمل التالي:
1. يكتب هذا الحرز على جلد غزال.
2. يصاغ له قصبة من فضّة منقوش عليها: “يا مشهوراً في السموات يا مشهوراً في الأرضين يا مشهوراً في الدنيا والآخرة، جهدت الجبابرة والملوك على إطفاء نورك وإخماد ذكرك، فأبى الله إلّا أن يتم نورك ويبوح بذكرك، ولو كره المشركون”.
3. فإذا أراد حمله فليقم بالتالي: يتوضّأ وضوءاً حسناً سابغاً، ويصلّي أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة “فاتحة الكتاب” وسبع مرات “آية الكرسيّ”، وسبع مرات “شهد الله”، وسبع مرات “والشمس وضحاها”، وسبع مرات “والليل اذا يغشى”، وسبع مرات “قل هو الله أحد”. فإذا فرغ منها فليشدّه على عضده الأيمن. وينبغي أن لا يكون طلوع القمر في برج العقرب.
وأوّل الحرز: “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ إلى آخرها -أي الفاتحة- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ”.
رابعاً: حكم هذا الحرز
نقل العلّامة المجلسي في بحار الأنوار روايته عن أربعة من المصادر هي:
1. “عيون المعجزات” للشيخ الحسين بن عبد الوهاب (من علماء القرن الخامس الهجري وكان مزاملاً للشريفين الرضى والمرتضى) بإسناده إلى صفوان بن يحيى عن أبي نصر الهمداني عن حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام.
2. “مناقب آل أبي طالب” لابن شهر آشوب (488 – 588هـ) بإسناده إلى أبي نصر الهمداني عن حكيمة بنت أبي الحسن القرشي عن حكيمة بنت موسى بن عبد الله عن حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام.
3. الخرائج والجرائح للقطب الراوندي (ت: 573هـ) وروايته مرسلة، حيث يرويه عن محمد بن إبراهيم الجعفريّ عن حكيمة بنت الإمام الرضا عليه السلام، والسند مقطوع بينه وبين الجعفري، مضافاً إلى كون الجعفري مجهولاً، بل مهملاً.
4. مهج الدعوات للسيد ابن طاووس (589 – 664هـ) بإسناده إلى أبي نصر الهمدانيّ.
وأبو نصر الهمداني هذا مجهول مهمل عند الرجاليين، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر هو عبد الله بن محمد بن إبراهيم(6)، مضافاّ إلى عدّة مجاهيل في أسانيد رواية الحرز.
وعليه، فإن الحكم باستحباب العمل بهذا الحرز حملاً أو قراءة، واستحباب ما يرتبط به من أعمال لا يتمّ إلّا بناء على قاعدة التسامح في أدلّة السنن من المستحبّات والمكروهات.
ومع عدم ثبوتها عند مرجع التقليد فلا يحمل هذا الحرز، أو يقرأ بنية الاستحباب بخصوصه ولا يؤتى بتلك الأعمال التي ذكرت في الرواية عند إرادة حمله بهذه النية أيضاً.
وإنّما يحمله رجاءً لإدراك آثاره بعد كونه مشهوراً بين العلماء. ولعلّ تداوله بشكل لافت بين المؤمنين على مرأى ومسمع من الفقهاء والعلماء ولم يرِد عنهم ردع أو استنكار يكشف عن تلقّيه من قبلهم بالرضى والقبول ولو تسامحاً أو رجاءً.
وهذه حال الأحراز والحجب والهياكل والتعاويذ عموماً، اللهم إلّا ما ثبت صدوره عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد الأئمة الأطهار من أهل بيته عليهم السلام بطريق معتبر يجعل الفقيه يفتي باستحباب الإتيان به حملاً أو قراءة، وبما يرتبط به من أعمال وأذكار ونحو ذلك.