بين يدي السيد الشهيد
اتجاه: يرى أنَّ الواجب علينا هو أنْ نقول: أنَّ الظلم حرام، والربا حرام، وما إلى ذلك.
واتجاه آخر: يرى أنَّ الواجب مضافاً لذلك هو أنْ نقول للظالم أنت ظالم، وللمرابي أنت مرابٍ.
الأول وإنْ كان يرى أنَّه يجب التدخل لتشخيص الموضوعات التي لايبقى للإسلام بيضة بدونها، ولكنّه نادراً ما يطبق ذلك عملياً.
بينما الثاني يتصدى للتطبيق العملي لذلك.
الأول يرى أنَّه إنْ أقيمت الدولة الإسلامية فأمر جيد.
والثاني يرى وجوب السعي لإقامتها.
الأول ينَظِّر أنَّ العالم كالشجرة يُقصَد ولا يَقصد.
والثاني يرى أنَّ العالِم كما كان الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ): “طبيباً دوّاراً بطبه”.
الأول: فيه حفظ للنفوس والحوزة.
والثاني في مسيرته تضحيات جسام ودماء حمراء.
والنفوس تميل للمزاج الأول؛ لأنه يحفظ للناس شيئاً من دنياها مع مشروعية؛ ولذلك كان هذا الاتجاه ولم يزل هو الشائع السائد.
بخلاف الثاني فأنصاره قلة، بقلة المسْتَعِدين للتضحية.
لا أُريد أنْ أقول أنَّ الأول يتقصد حفظ دنياه فحسب، إذ لعل الدليل قد أوصله الى ما يبني عليه، ولعله في ذلك يستند الى ركنٍ وثيق.
لكن النتيجة أنَّ أصحاب الإتجاه الثاني يختمون حياتهم بدم أحمر قانٍ وتضحيات جسام.
وأنت حينما ترى تلك التضحيات لأجل المبدأ من قبل أصحاب هذا الإتجاه لايمكنك إلّا أنْ تقف بإزائهم بإجلال كبير؛ لأنَّهم يُقْدمون على ذلك وهم يعلمون جيداً بأنَّ الدنيا لا تمد لهم ذراعيه، وأنَّهم لن يجدوا أنصاراً مستعدين لدفع تلك الضريبة الضخمة إلّا القلة.
لكنهم مع كل ذلك يُقْدمون على مثل هذا الموت الأحمر بقلوب مطمئنة ؛ لأنّهم يرون أنَّ تكليفهم مجابهة الطغاة، مهما كلّف الأمر.
واضحون صريحون أبطال، هم من نحو الرجال الذين يجيدون صناعة الموت الذي لاتكون الحياةُ حياةً إلّا به، مع أنّهم نحريروا العلم والفقاهة إنْ جدَّ جدُّهما.
وسيدنا الشهيد محمد الصدر (قدست نفسه الزكية) الذي نعيش ذكرى استشهاده أحد أبرز قادة هذا الاتجاه.
هذا العالم العامل بعلمه، المظلوم الى هذه اللحظة حتى من قبل مَن ينتسبون لخطه؛ لأنَّ بعضهم لم يكونوا ” زيناً ” له، بل كانوا ” شيناً ” عليه.
إنما أُشير لذلك لأنه قد هالني وأقلقني وأنْا أسمع ولو همساً! أنَّ بعض الأخطاء هنا وهناك بدأت تنسحب على الصدر الشهيد، للتشكيك بعظمة فكره وعلمه وقداسته ونظافة خطه.
الانتماء لخط الصدر، كما هو الإنتماء لخط عليٍ، مسؤولية كبيرة، مع حفظ الفرق بين المعصوم وغيره.
وورثة هذا الخط هم ذلك التيار الذي يؤمن بذلك المبدأ الناصع، وإنْ لم يكونوا بالضرورة من أتباع مَن يحصرون بإنفسهم إرث ذلك الخط العظيم.
ف ( فينا ) التي قالها الإمام الحسين ( عليه السلام ) في كلمته : ( مَن كان باذلاً فينا مهجته … )
تعني في الخط والرسالة والمنهج لا في الأشخاص، وإنْ أتحد الخط والشخص في ذات المعصوم.
سلامٌ على الصدر الشهيد يوم ولد ويوم ظُلم ويوم أُستشهد ويوم يبعث حياً.
عظم الله أجوركم.