الحمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. والدته هالة بنت وهيب بن عبد مناف، وهي ابنة عم آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وآله. له تسعة إخوة وست أخوات، منهم: عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأبو طالب والد أمير المؤمنين عليه السلام، ويكفيه ذلك فخراً.
وقد تزوج من خولة بنت قيس بن فهد الأنصاري ورزق منها ولدَين، كانت ولادته قبل عام الفيل بسنتين أو أربع. وتم إسلامه في السنة الثانية من البعثة، واستشهد في معركة أحد عن عمر هو تسع وخمسين سنة.
* شخصيته:
كان الحمزة بن عبد المطلب صبيح الوجه، أحمر اللون، أبيض الأسنان، أقنى الأنف، ذا حاجبين غليظين، وعينين سوداوين، طويل القامة، قوي البدن، غير بطين ولا هزيل، لموع الأسنان. وكان دائماً باسم الثغر، كثير الدعابة، صريح القول، لين الخطاب، متواضعاً في نفسه، محباً للخير(1). وإذا عُدَّ الأبطال، كان أولهم ورأسهم.
* الحمزة في العصر الجاهلي:
كان المجتمع الجاهلي له حياته الخاصة التي تتخبط في ظلم، وظلام فوقه ظلام، قد ألِفَ القتل والقتال ووَأْدَ البنات والانغماس في سوق الملذات، إلا من ملك العقل السليم ، وسار على الحنيفية الموروثة عن إبراهيم الخليل عليه السلام، وكانت سيرته مختلفة وسلوكه مستقيماً. من هؤلاء الحمزة بن عبد المطلب، الذي قضى وقته في ركوب الخيل ومطاردة الأسود بعيداً عن حياة أولئك، فصنعت منه الرجل الشجاع، والمقدام الذي لا يتأخر، حتى استحق ما أطلقه عليه رسول الله صلى الله عليه وآله”أسد الله وأسد رسوله”. والجدير ذكره الذي لا يجوز إغماض العين عنه، أنه ترعرع في بيت عبد المطلب الذي سن خمس سنن أجراها الله في الإسلام: تحريم نساء الآباء على الأبناء، وإخراج خمس الكنز، وحفر زمزم، وحدد مئة من الإبل في القتل، وحدد سبعة أشواط في الطواف. ومن سيرته أنه لم يستقسم بالأزلام ولم يعبد صنماً وما أكل ما ذُبح على النصب، وكان يقول: أنا على دين أبي إبراهيم(2). ولقد أحسن الجاحظ في وصف عبد المطلب بقوله: “لم يكن لعبد المطلب في قريش نظير، كما أنه ليس في العرب لقريش نظير، وكما أنه ليس في الناس للعرب نظير”.
* إظهار إسلامه:
بعد ما سبق ذكره، يميل المرء إلى أن الحمزة لم يكن مشركاً. ولذا، فما يحكى عنه أنه أسلم في السنة الثانية للهجرة، فهو في الحقيقة إظهار للإسلام والتزام بتعاليمه، وليس انتقالاً من الشرك إلى الإسلام. وسيأتي ما يشير إلى ذلك. وأما السبب في اعلان وإظهار إسلامه، فقد روي أن أبا جهل اعترض رسول الله صلى الله عليه وآله فآذاه وشتمه ونال منه ما يكره من العيب لدينه والتعنيف له، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وآله، ومولاة لعبد الله بن جدعان التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك. ثم انصرف عنه، فعمد إلى نادٍ لقريش عند الكعبة فجلس معهم. ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحاً قوسه، راجعاً من قنص له، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له، فكان إذا رجع من قنصه، لم يرجع إلى أهله حتى يطوف بالكعبة. وكان إذا فعل ذلك لم يمر على نادٍ من قريش، إلا وقف وسلم وتحدث معهم. وكان أعز قريش وأشدها شكيمة. فلما مر بالمولاة وقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله، فرجع إلى بيته، قالت له: يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد من أبي الحكم آنفاً قبيل، وجده ها هنا فآذاه وشتمه ، وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وآله. ما احتمل حمزة الغضب، فخرج سريعاً لا يقف على أحد. فلما دخل المسجد، نظر إليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس، فضربه ضربة شجه فيها شجة منكرة. وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقالوا: ما نراك يا حمزة إلا قد صبأت. فقال حمزة: وما يمنعني وقد استبان لي منه ذلك؟ أنا أشهد أنه رسول الله وأن الذي يقول الحق، فوالله، لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين.
* أسد الله وأسد رسوله
أطلق هذا اللقب عليه ممن لا ينطق عن الهوى، إذ لا يتأثر كلامه برضا أو غضب ولا بحب وبغض. وليس للقرابة دور في اتخاذ المواقف أبداً. فكيف وهو خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله؟! بل يتخذ الموقف الذي يناسب كل شخص وفعله، فالذي يقول في أبي جهل: لكل نبي فرعون وفرعوني أبو جهل، هو الذي أطلق على الحمزة بن عبد المطلب لقب أسد الله وأسد رسوله، إذ قال النبي صلى الله عليه وآله: “جاءني جبرائيل فأخبرني أن حمزة بن عبد المطلب مكتوب في أهل السماوات السبع (حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله)”.
فمن كان كذلك في السماوات، محال أن يكون قد عبد صنماً أو شرب خمراً منذ طفولته.
* جهاده بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله
* في المرحلة الثانية من حياة الإسلام: فأول لواء يعقده رسول الله صلى الله عليه وآلههو لواء الحمزة حين أرسله على رأس ثلاثين رجلاً إلى سيف البحر، متعقباً عيراً لقريش. وكانت محمية بثلاثمئة نفر. وقد حجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني، فلم يكن قتال
* كان قد التقى النبي عليه السلام ليلة العقبة بوفدي الأوس والخزرج وقد صحبه الحمزة عليه السلام. ولما شعر أهالي مكة بهذا الاجتماع السري وجماعة من أهل يثرب، أقبلوا بالسلاح لقتال القوم، فأمرهم النبي بالتفرق. وقد وقف الحمزة على العقبة مجرداً سيفه. وحين نظر إليه القرشيون، قالوا: ما هذا الذي اجتمعتم عليه؟ فأجابهم عليه السلام: ما اجتمعنا وما ها هنا أحد، فوالله، لا يجوز منكم أحد هذه العقبة إلا ضربته بسيفي.
* وأما الحديث عنه في معركة بدر، فلم ينقطع. وله من المواقف في ساحة الميدان ما تعجز عنه أقلام المؤرخين والمحققين. ويكفيه فخراً أنه قاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فيها بسيفين. وحين سأل عنه أمية بن خلف بن عوف فقالوا له هذا الحمزة، قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل(8). وهكذا كان في معركة أحد حتى لحظة استشهاده، فكان يقاتل بسيفين ويقول: أنا أسد الله.
يقول العلامة المجلسي: كان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم، فإذا رأوه، انهزموا ولم يثبت له أحد.
حتى أن قاتله وحشياً يقول: رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهد الناس بسيفه هداً ما يقوم له شيء.
* الشهادة:
روى الزهري عن عبد الله بن عدي، عن وحشي قال: خرجت مع الناس ولي مزاريق (أي رماح قصيرة)، كنت أمر بهند بنت عتبة، فتقول: إيه أبا دسمة، إشف واستشف… وأقبل نحوي (الحمزة بن عبد المطلب) سريعاً، فيعترض له جرف، فيقع فيه، وأزرقه بمزراق، فيقع في لبته، فقتلته.