الإشكالات.. حسين الساعدي
ذم التقليد في بعض الروايات:
1- قال الصادق (ع) ((إياكم و التقليد فإنه من قلد في دينه هلك، إن الله تعالى يقول اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فلا و الله ما صلوا لهم و لا صاموا ولكنهم أحلوا لهم حراما و حرموا عليهم حلالاً فقلدوهم في ذلك فعبدوهم و هم لا يشعرون )) تصحيح الاعتقاد – للشيخ المفيد ص73.
الرد: أن الإمام (عليه السلام) استدل بالآية الكريمة وهي واضحة في وجه الذم والتحريم وهو ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ )، أي انهم اعتبروا هذا المقلَّد مصدراً للتشريع من دون الله. وهذا ممّا لا شك في حرمته، فلا أحد يقول ان مقلَّده ومرجعه هو مصدر التشريع في مقابل الله تعالى . وأيضا أنهم قلدوهم في تحريم الحلال وعكسه. ولا قائل بجواز تقليد المرجع اذا احل الحرام أو حرم الحلال . بل من يفعل ذلك يحرم تقليده وتسقط عدالته وهو من كبائر الذنوب. أذن الرواية لا تدل حرمة اتباع المجتهد العادل الجامع للشرائط المستفرغ وسعه لكي يصل الى حلال الله فيفتي على طبقه بالحلية أو يصل الى الحرام فيفتي على طبقه بالتحريم.
2- انظروا إلى ما قاله الشيخ الكليني في مقدمة كتاب الكافي في ذم التقليد: (فمن أراد الله توفيقه وأن يكون إيمانه ثابتاً مستقراً سبّب له الأسباب التي تؤديه إلى أن يأخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه… ومن أراد الله خذلانه سبّب له الأسباب للاستحسان والتقليد والتأويل من غير علم وبصيرة) [15].
الرد: كلام المحدث الكليني ردّ على أهل العامة المقلدة لعلمائهم الفسقة لا على الشيعة الذي يقلدون العلماء العدول الذي أمر الأئمة بالأخذ عنهم، والدليل هو قوله: قبل ذلك (ولهذه العلة انبثقت على أهل دهرنا بثوق هذه الأديان الفاسدة. والمذاهب المستشنعة التي قد استوفت شرائط الكفر والشرك كلها، وذلك بتوفيق الله تعالى وخذلانه) فكلامه عن الأديان الفاسدة والمذاهب المستشنعة لا عن علماء أهل البيت وفقهاء الشيعة.
ولاحظ أيضاً قوله: (سبّب له الأسباب التي تؤديه إلى أن يأخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه (صلوات الله عليه وآله) بعلم ويقين وبصيرة، فذاك أثبت في دينه من الجبال الرواسي، ومن أراد الله خذلانه وأن يكون دينه معاراً مستودعاً – نعوذ بالله منه – سبب له أسباب الاستحسان والتقليد والتأويل من غير علم وبصيرة). ومن الواضح أن علماء السنة هم القائلون بالاستحسان. أما علماء الشيعة فيرفضونه جميعاً، وكذلك لا يقول أحد من علماء أهل البيت (عليهم السلام) بصحة التأويل من غير دليل وعلم وبصيرة.
ثم أن الكليني فقيه من الفقهاء فلا يصلح كلامه للاستدلال به على سائر الفقهاء، وليس الكليني معصوماً ولا ورد نص على تقديمه وتفضيله على سائر الفقهاء. فرأيه واحد من الآراء، ثم كيف تقلده في رأيه هذا؟
3- وأيضاً كلام الشيخ المفيد (ره)، نذكر كلامه بطوله:
(وأما الكلام في توحيده ونفي التشبيه عنه والتنزيه له والتقديس، فمأمور به ومرغب فيه، وقد جاءت بذلك آثار كثيرة وأخبار متظافرة، وأثبت في كتابي (الأركان في دعائم الدين) منها جملة كافية، وفي كتابي (الكامل في علوم الدين) منها باباً استوفيت القول في معانيه وفي (عقود الدين) جملة منها، من اعتمدها أغنت عما سواها، والمتعاطي لإبطال النظر شاهد على نفسه بضعف الرأي، وموضح عن قصوره عن المعرفة ونزوله عن مراتب المستبصرين، والنظر غير المناظرة، وقد يصح النهي عن المناظرة للتقية وغير ذلك، ولا يصح النهي عن النظر لأن في العدول عنه المصير إلى التقليد والتقليد مذموم باتفاق العلماء ونص القرآن والسنة.
قال الله تعالى ذاكراً لمقلدة من الكفار وذاما لهم على تقليدهم:( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ)).
الرد: الخلاصة كلامه صريح وواضح في عدم جواز التقليد في العقائد فقط.
وكل ماورد من روايات بذم التقليد فالمقصود هو التقليد المذموم،
لأن التقليد نوعان: ممنوع ومشروع , فأما الممنوع , فهو الناتج عن الجهالة والتعصب أو التقليد في العقائد والقول بالقياس أو الرأي أو الاستحسان أو الحكم بدون الرجوع لأهل البيت عليهم السلام. كما هو متحقق في المذاهب التي أسست قبال مدرسة أهل البيت من قبل الحكام الظلمة ووعاظهم.
-إشكال مفاده إن الدين الإسلامي قد اكتمل بآية إكمال الدين { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة: 3] أي ان هناك حكم في الشريعة لكل واقعة وان عدم وجود حكم ما في جميع الأزمان يستلزم البخل منه سبحانه وتعالى وهو محال.
يتبع إن شاء الله
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية