تأخذني عاشوراء إلى أبعد نقطة في عالم التفكير.
عالمٌ مرِهق، بملامحهُ المؤلمة، فكلّما حاولتُ أن أسدلَ الستار عن منظرٍ لاح لي آخر حتى جزعت.
تُرى أي نوع من البشر كان يحارب الإمام الحسين (عليه السلام) ؟
وبينما أجول في عالم التفكير وإذ لاح أمامي خاتمٌ وقرطٌ مدميّان.
أطلتُ التفكير فيهما على غير عادتي؛ لأرى فيهما رسالة حياة بطعم اليتم ومرار الفقد.
وفي الأثناء إذ بي أنظر لأرض المعركة لأراهما بيد سارقٍ قد انتُزعت منه كل معاني الرحمة والرأفة ليسرق خاتماً من خنصر الإمام ، بعد ان عجز عن انتزاعه بشكل طبيعي ،فإذا به يقطع خنصره ليسرقه ، أي قلبٍ كان يحمل هذا السارق ، فلعلّه نفس السارق الذي انتزع قرط مولاتي رقية بلا رحمة بعد هربت من لهيب نار الخيام التي سعرها جيش آل زياد لإنها كانت تعيش على أمل اللقاء بإبيها الحسين (عليه السلام) ولم تعلم بإنه قد أرسل لها بخاتمه المدمي بيد ذلك السارق ليخبرها بإن تقطع الأمل، لكنها سارت إلى الشام مع السبايا على ذلك الأمل.
ثم أدرت ناظري لأرض الشام وتلك الخربة التي جلس بها أمراء الخلق أجمعين .
فلم امتلك الطاقة لأصف تلك الخربة فمنظرها وأهل بيت الرسالة فيها يدمي القلب.
ولكنها رقية التي لفتت كل الأنظار لها فمازال جرح مولاتي رقية من أثر انتزاع القرط لم يندمل ، لم تهتم لكل الآلام بقدر اهتمامها بلقاء الحبيب، حتى جيء لها بالرأس الشريف.
أرادت أن تمسك يديه، تقبّلها كعادتها لكنها تفاجأت بالمنظر فلم يكن سوى رأسٍ قد جفّت الدماء عليه وذبلت شفاهه.
و الرأس ينظر لإذن رقية ، ولسان حاله سؤالٍ عن ذلك القرط المفقود، لتجيبه، تحملّت ألم انتزاع القرط من أجل لقاءك إيها الحبيب، ولكن لم اتوقع أن يكون اللقاء هكذا.
منظرٌ ابكى الجميع ، ففي أرض المعركة اعتنق القرط الخاتم، وفي خربة الشام اعتنقت رقية رأس الحسين، لتعلن عن رحيلٍ كان من المفروض أن يكون بإرض المعركة ولكن أمل اللقاء جعله يتأجل، ليكون في خربةٍ.
رحلت رقية مع أبيها إلى الفردوس الأعلى وتركوا لنا خاتماً وقرطاً مدميان.
فكانا راويين يرويان لنا أغرب قصص العشق ، التي تبكي لهما العيون دماً.
سيدي سيبقى خاتمك رمز الأبوة ، وسيبقى قرط رقية رمز الطفولة.
آراد بنو أمية أن يقتلوا أحلام الصغار ، فأحييتها رقية بقرطٍ مدمي واحتضنت خاتم أبيها لتقول لكل يتيم
إنّ آبائكم معكم وإن رحلوا عن عالم الدنيا .