هناك حقيقة تاريخية الا وهي، ان بعض الافراد قد يذهب ضحية على اثر ما تصاب به الامة ممن يدعون العلم والمعرفة تحت عنوان الهداية او العلم، وهنا كان لابد لهذه الامة من بطل ينقذها من تلك المشاكل الفكرية منها مظاهر الغلو والانحراف، اي ان وجود الامام “عليه السلام” في هذه المدة هو الشخص المناسب لهذه المهمة ، ومما دفع بالإمام “عليه السلام” الى توجيه ضربة قوية لتلك الحركات المنحرفة. حيث انه كان حازماً تجاه هذه الحركات ولعل من ابرزها:
فرقة الواقفة :
فرقة من المتصوفة المبطلة، وهم الذين وقفوا على الإمام السابع موسى بن جعفر الكاظم “عليه السلام” ، فلم يقولوا بإمامة من بعده، حيث زعموا أن الامام الكاظم “عليه السلام” لم يمت وأنه حي، وأنهم ينتظرون خروجه حيث أنه دخل في غيبة. وكان المؤسس لهذه الفرقة زياد بن مروان القندي، وعلي بن حمزة، وعثمان بن عيسى([1]).
يبين القمي ان السبب كان بتوقفهم هو:” مضى ابو ابراهيم عند زياد القندي سبعون الف دينار، وعند عثمان بن عيسى ثلاثون الف دينار وخمس جواري ومسكنه بمصر، فبعث اليهم الامام علي بن موسى الرضا “عليه السلام” ان احملوا ما قبلكم من المال، وما كان اجتمع لابي عندكم، فإنني وارثه وقائم مقامه، وقد اقتسمنا ميراثه ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولوارثه قبلكم”([2])، في حين ان علي بن حمزه فقد أنكر ولم يعترف بما عنده من المال وكذلك زياد القندي، وأما عثمان بن عيسى فانه كتب الى الامام الرضا “عليه السلام” قائلا:” أن اباك صلوات الله عليه لم يمت وهو حي قائم، ومن ذكر انه مات فهو مبطل، واعمل على انه مضى كما تقول ، فلم يأمرني بدفع شئ اليك، واما الجواري، فقد اعتقتهن وتزوجت بهن”([3]).
حيث كان للأمام الحسن العسكري “عليه السلام” موقفاً حازماً اتجاههم اذ اكد لاحد اصحابه ممن وقف على موسى بن جعفر “عليهم السلام” قائلا: أتولاهم ام أتبرا منهم؟ فكتب الامام العسكري “عليه السلام”: “انا الى الله منهم بري فلا تتولاهم، ولا تعد مرضاهم، ولا تشهد جنائزهم، ولا تصل على احد منهم مات ابدا سواء من جحد إماما من الله او زاد إماما ليست إمامته من الله او جحد او قال : قالت ثلاثة، ان جاحد امر اخرنا جاحد امر اوّلنا والزائد فينا كالناقص الجاحد امرنا”([4]) .
فرقة المفوضة:
يعود تأسيس هذه الفرقة الى القرن الهجري الاول فهم جماعة قالت ان الله خلق محمداً وفوض اليه خلق الدنيا فهو الخلاق لما فيها، وقيل فوض ذلك الى الامام علي والائمة “عليهم السلام من بعده([5]) .
وقد تصدى الامام الحسن العسكري “عليه السلام” لفكر هؤلاء وغلوهم فأجاب بعض شيعته عن ذلك وحدد مكانه أهل البيت “عليهم السلام” في وضعها الصحيح فقال:﴿ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾([6]).
وان قوماً من المفوضة قد وجهوا كامل بن ابراهيم المدني الى الامام ابي محمد “عليه السلام” قال كامل : قلت في نفسي أساله لا يدخل الجنة الا من عرف معرفتي؟ وكنت جلست الى باب عليه ستر مرخى، فجاءت الريح فكشفت طرفه فاذا انا بفتى كانه فلقة قمر من ابناء اربع سنين او مثلها فقال لي : يا كامل بن ابراهيم ، فاقشعررت من ذلك والهمت ان قلت لبيك يا سيدي، فقال جئت الى ولي الله تساله” لا يدخل الجنة الا من عرف معرفتك وقال بمقالتك؟” قلت اي والله، قال: اذن والله يقل داخلها والله انه ليدخلها قوم يقال لهم الحقيقة قلت ومن هم ، قال : قوم من حبهم لعلي بن ابي طالب “عليه السلام يحلفون بحقه وما يدرون ما حقه وفضله.
ثم قال : جئت تسال عن مقالة المفوضة؟ كذبوا، بل قلوبنا اوعية لمشيئة الله فاذا شاء الله شئنا، والله يقول﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ﴾([7])، فقال لي ابو محمد “عليه السلام” : مما جلوسك وقد أنباك بحاجتك الحجة من بعدي فقمت وخرجت ولم اعاينه بعد ذلك([8]) .
تصديه لمظاهر الغلو :
وقد تصدى الامام الحسن العسكري” عليه السلام” لبعض مظاهر الغلو باهل البيت “عليهم السلام” فارسل الى بعض مواليه رسالة حادة حملت تهديد الامام “عليه السلام” لهم فقال :” فقد بلغني ما أنتم عليه من اختلاف قلوبكم ، وتشتيت أهوائكم ، ونزغ الشيطان ، حتى أحدث لكم الفرقة والإلحاد في الدين ، والسعي في هدم ما مضى عليه أوائلكم من إشادة دين الله ، وإثبات حق أوليائه ، وأمالكم إلى سبيل الضلالة ، وصد بكم عن قصد الحق ، فرجع أكثركم القهقرى على أعقابكم ، تنكصون كأنكم لم تقرؤا كتاب الله جل وعز ولم تعوا شيئاً من أمره ونهيه ولعمري لئن كان الأمر في اتكال سفهائكم على أساطيركم لأنفسهم وتأليفهم روايات الزور بينهم لقد حقت كلمة العذاب عليهم ولئن رضيتم بذلك منهم ولم تنكروه بأيديكم وألسنتكم وقلوبكم ونياتكم، إنكم شركاء وهم، في ما اجترحوه من الافتراء على الله تعالى وعلى رسوله وعلى ولاة الأمر من بعده ولئن كان الأمر كذلك لما كذب أهل التزيد في دعواهم ، ولا المغيريّة في اختلافهم ولا الكيسانية في صاحبهم ولا من سواهم من المنتحلين ودّنا والمنحرفين عنا، بل أنتم شر منهم قليلاً، وما شيء يمنعني من وسم الباطل فيكم بدعوة تكونوا شامتاً لأهل الحق إلاّ انتظار فيئهم، وسيفيء أكثرهم الى أمر الله إلاّ طائفة لو [شئت] لسميتها ونسبتها استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، ومن نسي ذكر الله تبرأ منه فسيصليه جهنم وساءت مصيراً وكتابي هذا حجة عليهم ، وحجة لغائبكم على شاهدكم إلاّ من بلغه فأدّى الأمانة ، وأنا أسأل الله أن يجمع قلوبكم على الهدى، ويعصمكم بالتقوى ، ويوفقكم للقول بما يرضى ، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته”([9]) .