تميّزت فترة إمامة الإمام الحسن العسكري عليه السلام بالأهميّة القصوى، لأنّ مهمّتها كانت التمهيد لولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، والنصّ على إمامته، وتعريف الشيعة به والمحافظة على وجوده والتمهيد لغيبته وربط الوكلاء به.
إمامة الحسن عليه السلام، ظروفها السياسية
كلّ هذه النقاط تشير إلى دقّة وحراجة الظرف الذي كان يعيشه الإمام العسكري عليه السلام، حيث كان عليه أن يقوم بكلّ التمهيدات اللازمة خلال هذه الفترة القصيرة من مدّة إمامته والتي لم تتجاوز السّت سنوات، عاش خلالها الإمام عليه السلام ظروفاً صعبة نظراً لقيام العباسيّين بمراقبة تحرّكات المعصومين عليه السلام عن كثب، ومحاولتهم السيطرة على كلّ نشاطاتهم وهم يتوقّعون كسائر المسلمين ولادة المهدي المنتظر من نسل الإمام الحسين بن علي عليه السلام.
وقد عاصر الإمام عليه السلام أعواماً عصيبة من الخلافة العباسيّة مع سلاطين مستبدين، اعتلوا عرش الدولة منذ أن قدم سامرّاء مع أبيه الهادي عليه السلام أيّام المتوكّل عام (234هـ).
ويمكن إجمال أهمّ مظاهر الحالة السياسية لذلك العصر الذي عاشه الإمام عليه السلام بما يلي:
1ـ تدهور الوضع السياسي للدولة العباسيّة، حيث تمّ استيلاء الأتراك على مفاصل السلطة.
2ـ اللهو والمجون وحياة الترف التي كان يحياها الخليفة وأتباعه.
3ـ الحركات الانفصالية في أطراف الدولة نتيجة ضعف سلطات الخليفة، وقد أطلق المؤرخون على هذا العصر: عصر إمرة الأمراء.
التمهيد لإمامة الإمام المهدي عليه السلام :
عمل الإمام العسكري عليه السلام على التمهيد لإمامة ولده المهدي عليه السلام من خلال عدّة أساليب، منها:
أ- كتمان ولادة الإمام المهدي عليه السلام :
لقد كتم الإمام العسكري عليه السلام ولادة ابنه عليه السلام خوفاً عليه من السلطة الّتي تعلم أنّ المهدي المنتظر هو ابن الحسن العسكري عليه السلام وأنّه المدّخر للقضاء على الظلم وإقامة العدل والانتصار للمستضعفين.
والإمام العسكري عليه السلام قد أمر خاصّة شيعته – كأحمد بن إسحاق وغيره، حينما بشّرهم بولادته عليه السلام – أن يكتموا أمره ويستروا ولادته عن الآخرين، فقال عليه السلام: “ولد لنا مولود، فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً”.
كما أنّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام قبيل ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف قد بعث إلى عمته “حكيمة” ليلة النصف من شعبان، وقال لها:” يا عمّة اجعلي إفطارك عندي، فإنّ الله عزّ وجلّ سيسرّك بوليّه وحجّته على خلقه، خليفتي من بعدي”.
نرى الإمام العسكري عليه السلام كان – مع ما اتخذه من إجراءات احتياطية – يبشر خلّص شيعته بولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.
ب- إخبار خواص الشيعة بولادة الإمام المهدي عليه السلام وعرضه عليهم:
وممّن رأى الإمام الحجّة المنتظر بعد ثلاثة أيّام من ولادته علي بن بلال، ومحمد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيوب بن نوح وغيرهم، فقد قال لهم الإمام العسكري عليه السلام بعد أن عرضه عليهم: “هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتدّ إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً”.
وقد سأل أحمد بن إسحاق الإمام العسكري عليه السلام قائلاً: يا مولاي فهل من علامة يطمئنّ إليها قلبي؟ فنطق الغلام بلسان عربي فصيح فقال: “أنا بقيّة الله في أرضه والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق”، فقال: أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً….
ج- النص على إمامة المهدي عليه السلام وغيبته والإشهاد على ذلك:
قدِم وفد من أربعين شخصاً من الموالين لآل البيتِ عليهم السلام إلى سامرّاء، وحضروا بيت الإمام العسكري عليه السلام ليسألوه عن الحجّة من بعده وفي مجلسه أربعون رجلاً، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال: يا بن رسول الله أريد أن أسألك عن أمرٍ أنت أعلم به منّي. فقال عليه السلام: “لا يخرجنّ أحد، فلم يخرج أحد إلى أن كان بعد ساعة، فصاح عليه السلام بعثمان، فقام على قدميه. فقال عليه السلام “أخبركم بما جئتم”؟ قالوا: نعم يا بن رسول الله، قال: “جئتم تسألونني عن الحجّة من بعدي”. قالوا: نعم. فإذا بالإمام المهدي عليه السلام كأنّه قطعة قمر أشبه الناس بأبي محمد عليه السلام، فقال العسكري عليه السلام: “هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتّى يتمّ له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمرُ إليه”.