وهل أن تنظيم المؤمنين أنفسهم في كيان سياسي يؤدي وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويوفر فرصة دعم وايصال العناصر الصالحة النزيهة لادارة الشؤون العامة محرم ؟
كتب عبد الزهراء الناصري:
أولاً- من غرائب ماقرأته في احدى قنوات التلكرام التابعة لجهة دينية معروفة الاعتراض على تدخل الفقيه العادل في رعاية شؤون الامة والدفاع عن مصالحها ودفع الظلم واستئصال الفساد المالي والاداري الذي ينعكس ضرره على ملايين المواطنين .
ويعترض على قيام المرجعية الدينية بارشاد الناس لاختيار الصالحين الاكفاء ذوي النزاهة وسعيها لخلق فرص ايصال الصالحين لمواقع السلطة والقرار وادارة شؤون الناس .
ولا ادري ما هو البديل الذي سيكون اذا تخلّت المرجعية الدينية عن قيامها بهذا الدور المهم ؟ هل تريدون ان يتصدى افراد لا يرتبطون ولايستمعون للمرجعية ولا يتجاوبون مع ارشاداتها وتوجيهاتها بالتصحيح والاصلاح ؟
وهل أن تنظيم المؤمنين أنفسهم في كيان سياسي يؤدي وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويوفر فرصة دعم وايصال العناصر الصالحة النزيهة لادارة الشؤون العامة محرم ؟
المعيار الفصل في ذلك هو ومضمون قول أمير المؤمنين (ع) (وما أخذ الله على العلماء ان لايقاروا على كظة ظالم او سغب مظلوم ) فانه يلزم الفقيه ان يتصدى للشؤون العامة للمجتمع ويدافع عن المظلومين ويخاصم الظالمين ويرفض تصرفاتهم ، بل يضغط عليهم بما يتيسر له من ادوات وعوامل تأثير لاجبار السلطة وحكامها على ترك الظلم والفساد وانتهاج العدل والانصاف في الرعية وكذلك سيرة الائمة المعصومين عليهم السلام الذين حرصوا على ايصال العناصر المؤمنة المأمونة الى مواقع ادارة شؤون البلاد والعباد في أشد ظروف التقية التي تعرضوا لها من قبل السلطات الظالمة ، ولم يفكروا (ع) بتجنب نقد واعتراض المعارضين لتصدي الصالحين بمبرر احتمالية عدم نجاح احد المتصدين في مهمته ، لان وظيفة خدمة عامة الناس ودفع الظلم والفساد عنهم اولى واهم من اعتراض أناس يريدون تغييب الصالحين ورعاية القيادة الدينية الحقة لمسيرة الاصلاح والتصحيح في سلوك السلطات .
وهنا نذكر بعض الامثلة من سيرة الائمة (ع) :
أ- سلمان الفارسي واليا على المدائن في زمن عمر بن الخطاب
ب-عمار بن ياسر اميرا على الكوفة في زمن عمر بن الخطاب
ج- عبد الله النجاشي من اصحاب الامام الصادق ع كان والياً على الاهواز في زمن ابي جعفر المنصور الدوانيقي.
وقد ارسل اليه الامام رسالة توجيهية مهمة تعطيه قواعد العمل العادل في السلطة
د- علي بن يقطين من اصحاب الامام الكاظم ع كان وزيرا لهارون العباسي
وغيرهم .. ومما يجدر التنبيه عليه هنا ان الائمة كانوا في ظرف تقية ومضايقة شديدة من قبل حكام زمانهم ولم يتركوا هذه الوظيفة وايصال الصالحين الى مواقع الحكم ليحققوا مصالح المجتمع بما يتيسر لهم ويدفعوا الظلم بما يستطيعون .. فكيف واليوم الشيعة هم الاغلبية والاليات المتداولة للوصول الى السلطة سلمية ولا قهر ولا قمع دموي !!
ثانياً- اقول كيف ندفع خطر المخدرات مثلا عن المجتمع ، وكيف نحبط مشاريع القوانين التي تريد انتهاك ثوابت الشعب العراقي المسلم اذا لم ندعم ايصال الصالحين المؤمنين النزيهين الى مواقع الحكم والقرار !؟
ثالثاً- بل إن قدسية النجف الاشرف وكربلاء المقدسة -وهما موطن الحوزة والمرجعيات – تتعرض للاساءة ونشر المحرمات والموبقات وتهتك قدسيتها ، فلو كانت المرجعية الدينية تتصدى لايصال المؤمنين الصالحين الغيارى لمواقع القرار والسلطة فهل يجرؤ احد على انتهاك قدسية موطن امير المؤمنين ع ومدينة الحوزات العلمية الدينية ؟
رايعاً- على الرغم من الظروف القاسية التي تعرض لها الائمة (ع) في زمن العباسيين ، ولكننا نجد مواقف واضحة وشجاعة لأصحابهم في تطبيق احكام الشرع ومخالفة رأي الدولة الرسمي في احكام القضاء على خطورة مثل هذه المواقف وازعاجها للسلطة الظالمة المستبدة ، …
أ- نقل السيد ابن طاووس في ( الملاحم والفتن ) ان نوح بن دراج وفي زمن الخليفة العباسي المهدي قضى في واقعة ارث بكل التركة لابنة الميت ولم يعطِ لعصبتها شيئا من التركة فغضب عليه المهدي وقال له ما حملك على ما صنعت ؟ فقال له قضيت بقضاء علي بن ابي طالب ، فانه قضى للابنة بالمال كله ، اعطيتها النصف بفريضة الله واعطيتها الاخر بقول الله تعالى ( وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله … وفي نهاية الحوار قال المهدي لنوح : قد أجزت حكمك في هذه المرة ، فان عدت قتلتك .
ب- قال السيد ابو القاسم الخوئي عن نوح بن دراج في معجم رجال الحديث ( ان الرجل شيعي صحيح الاعتقاد وكان يفتي ويقضي بالحق …) … وقول السيد الخوئي عنه انه يقضي ويفتي بالحق يدل على تواصله واخذه الاحكام من الائمة الطاهرين عليهم السلام .
ج- ونقل السيد بحر العلوم في الفوائد الرجالية عن ابن فضال(أن نوح بن دراج القاضي كان من اصحابنا وكان يخفي أمره ).
د- قال عنه النجاشي ( كان قاضياً بالكوفة ، وكان صحيح الاعتقاد ، واخوه جميل بن دراج ).
خامساً- ان مواقف وفتاوى سماحة المرجع الديني الشيخ اليعقوبي الصريحة والعلنية الجريئة في محاربة الفساد المالي والاداري لا ينكرها الاّ المعاند والمخاصم للحقيقة ، وبمراجعة موسوعة خطابات المرحلة تجد ان اول من شخّص وأدان الفساد المالي والاداري ودعى بخطوات عملية ومؤسساتية لمواجهته هو سماحة المرجع اليعقوبي ، وتصوروا أنه حينما كان يُحاسب وزير التجارة بكل شفافية وموضوعية أمام البرلمان على الفساد والتلاعب بقوت الشعب وأمام أنظار الناس وبالوثائق وأعطي الفرصة الكاملة للدفاع عن نفسه وكان الرد البائس لزملاء الوزير المهزومين أمام تلك الحجج: إن هذا استجواب لأهداف سياسية، يخرج إمام الجمعة في مكان مقدس ليردد نفس هذه الكلمة التي قالها السياسيون بدلاً من أن يصطف إلى جانب المحرومين والمظلومين والمطالبين بالعدالة ومكافحة الفساد.
( طالب إمام الجمعة في الصحن الحسيني الشريف في خطبتي الجمعة المصادف 8/5/2009 بعدم التوظيف السياسي لفتح ملفات الفساد خلال تصعيد المطالبة بمساءلة وزير التجارة في البرلمان وبعد أيام من إطلاق حماية الوزير النار على قوة حكومية جاءت إلى مبنى الوزارة يوم الخميس المصادف 30/4/2009 لتنفيذ حكم قضائي بإلقاء القبض على عدد من كبار مسؤولي الوزارة بتهمة الفساد بينهم إخوة الوزير الذين هُرّبوا ثم قبضت عليهم إحدى المفارز الأمنية.)
سادساً- واضيف لك رداً ، فان اعلى موقع تنفيذي في البلاد لا يبرم أمره الا بتعيين مرجعية اخرى معروفة ، ولكنها لا تظهر للناس ذلك خوفا من انتقاد الناس في حال حصول خلل او فشل من قبل من عيّنوه رئيسا للوزراء ..
والمفروض أن تسود الشفافية بين المرجعية والأمة وتتضح مناهج التعامل مع السلطة والسياسين بكل وضوح وبجميع تفاصيلها حتى تتمكن المرجعية في حال انحراف المتصدين والسياسين ان تستثمر زخم الامة في اجبارهم على التصحيح والاصلاح ، أما الاكتفاء بالاعلان امام الرأي العام بان لادور المرجعية في ترتيب الوضع السياسي بينما واقع الامور تؤكد تدخلها في تعيين اعلى مواقع السلطة في البلاد سيحرم الامة من قوة مؤثرة وفاعلة في احداث الاصلاح والتصحيح وسيشعر السياسيون وقادة السلطة بارتفاع الضغط عنهم فيستمروا في فسادهم وظلمهم .
سابعاً- بل أن مسؤول قطاع النفط والطاقة لمدة (٨) سنوات كان من الاشخاص المقربين لمرجعية اخرى ، وكان احد اعضاء لجنتها السداسية في تشكيل الائتلاف الوطني سنة ٢٠٠٥، وهو نفسه ابرم عقود جولات التراخيص التي سببت رهن اقتصاد البلاد وثرواته النفطية بيد الشركات الاجنبية ومنها الامريكية ، ولتعرف اكثر عن مساويء هذا العقود راجع التقارير الرسمية لديوان الرقابة المالية ، بحيث وصلت نسبة التكاليف التي تدفعها الدولة لتلك الشركات الاجنبية في بعض السنوات ما يعادل (٣٣٪) من مجموع ايرادات انتاج النفط ، وهي تترواح سنويا بين (١٣- ١٨) مليار دولار !!.
ثامناً- وهل تعلم ان الوقف الشيعي يمتنع عن تقديم حساباته المالية للجهات المختصة لتدقيقها وإجراء الرقابة عليها في مخالفة واضحة للقوانين النافذة ، وانتم تحرّمون مخالفة القوانين !! فكيف يستقيم ذلك ؟! علماً ان موازنة الوقف الشيعي لسنة ٢٠٢٤ تبلغ
(٢) تريليون دينار تقريبا ، وموازنته لسنة ٢٠٢٣ كانت (١،٤) تريليون دينار !! فهل امتناع الجهة عن عرض نشاطاتها المالية على الجهات الرقابية المختصة ينسجم مع مكافحة الفساد المالي والاداري !؟
تاسعاً- والغريب ان السياسين الفاسدين كانوا يردون على مواقف المرجعية الرسالية لسماحة الشيخ اليعقوبي دام ظله التي نددت بفسادهم وظلمهم والفاضحة لانحرافهم وانفصالهم عن مبادئ الدين الاسلامي .. كانوا يردّون بان حكومتهم مدعومة من قبل مراجع دين معروفين .. وقد نُشر هذا التصريح حينها على الشريط الاخباري لقناة ( الحرة – عراق ) ولم يعلق احد ممن يرتبط بالمراجع الذين قصدهم ذلك السياسي فينفي او يكذب مدّعى السياسي المذكور ! ويفهم الناس من السكوت وعدم الردع والاعتراض انهم يؤيدون تلك الحكومة الظالمة الفاسدة .. فكيف يجرؤ احد من المحرومين او المظلومين بعد ذلك من المطالبة بحقوقه او الاعتراض على الحكومة او نقدها او تفعيل انشطة الرقابة الشعبية والضغط عليها لتصحح اداءها الحكومي مادام المنشور والمتداول ان مراجع دين يدعمون تلك الحكومة الظالمة !.