اليوم أكلمت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي.
يقال عن الشيء الذي كمل بنائه فوقياً وعمودياً كمل، وعن الذي اكتمل أفقياً تم، فهل ياترى السياق القرآني في هذه الآيات من سورة المائدة حجة؟.
وفكرة السياق القرآني فكرة واضحة في القرآن الكريم، وهو كما يعرفه السيد الصدر ((كلّ ما يكتنف اللفظ الذي نريد فهمه من دوالّ أخرى، سواء كانت لفظية كالكلمات التي تشكّل مع اللفظ الذي نريد فهمه كلاماً واحداً مترابطاً، أو حالية كالظروف والملابسات التي تحيط بالكلام وتكون ذات دلالة في الموضوع)).
فهل ياترى ما تقدم من الآيات وما تأخر يشكل سياقاً يمكن أن تفسر فيه الآية الشريفة؟.
هذا مابحثه العلامة الطباطبائي رحمه الله في الميزان.
إذ طرح تساؤلاً مهماً ماهو اليوم الذي أكمل فيه الدين وأتم النعمة، وأيضاً يأس الكفار من دين الإسلام بسببه، ثم يطرح عدة أيام محتملة ويشكل عليها بإشكالات عديدة، إلى أن يصل إلى حقيقة ليست عليها إشكال محدد وهي تتفق مع التاريخ الإسلامي عبر الروايات الصحيحة من الفريقين.
ماهي الأيام
أولاً: زمان ظهور الإسلام ببعثة النبي صلى الله عليه وآله، لكن هذا ليس صحيحاً، إذ ليس هناك في بداية الدعوة ديناً كاملاً أو قبل البعثة ديناً لهم أكمله بظهور النبي صلى الله عليه وآله.
ثانياً: مابعد فتح مكة، ولكن لم يكتمل الدين بفتح مكة، إذ هو في السنة الثامنة للهجرة فكم نزل بعد ذلك من تشريع.
ثالثاً: مابعد نزول سورة براءة، حيث انبسط الاسلام على جزيرة العرب، وعفت آثار الشرك، لكنه أيضاً ليس صحيحاً، إذ الدين لم يكمل بعد وقد نزلت فرائض بعد ذلك وأحكام.
رابعاً: يوم عرفة في التاسع من ذي الحجة سنة عشرة من الهجرة، فما المراد من اليأس هل يأس مشركي مكة فكان ذلك يوم فتح مكة السنة الثامنة للهجرة، أو يأس مشركي العرب فقد كان ذلك يوم نزول سورة براءة في ألسنة التاسعة من الهجرة، أو يأس جميع الكفار من يهود ونصاري وغيرهم، فهؤلاء لم يكونوا آيسين من الظهور على المسلمين بعد، ولما يظهر للإسلام قوة وشوكة وغلبة في خارج جزيرة العرب.
وربما يقال هو أن المراد به إكمال أمر الحج بحضور النبي صلى الله عليه وآله بنفسه فيه وتعليمه الناس تعليماً عملياً مشفوعاً بالقول؟،لكن فيه أن مجرد تعليمه الناس مناسك الحج لا يصح أن يسمى إكمالاً للدين فكيف يكون الجزء إكمال للكل.
ثم يذكر احتمالات أخرى يتوجه عليها نفس الإشكالات من كونها لا تتناسب مع قول القرآن، أنه أكمل وأتم الدين وأن الكفار قد يأسوا من دين الله فيصل إلى يوم لا تتوجه عليه هذه الإشكالات، وأن هذا اليوم هو المقصود بالآية ونفس هذا اليوم قد حدث في هذه المناسبة وأن الآية نزلت بسببه.
فيقول قدس سره: من جميع ما تقدم يظهر أن تمام يأس الكفار، إنما كان يتحقق عند الاعتبار الصحيح بأن ينصب الله لهذا الدين من يقوم مقام النبي صى الله عليه وآله في حفظه وتدبير أمره، وإرشاد الأمة القائمة به فيتعقب ذلك يأس الذين كفروا من دين المسلمين لما شاهدوا خروج الدين عن مرحلة القيام الشخصي إلى مرحلة القيام بالحامل النوعي، ويكون ذلك إكمالاً للدين بتحويله من صفة الحدوث إلى صفة البقاء.
والمتحصل أن السياق القرآني لا يرتبط بمسألة تحليل وتحريم، لذلك إذا كانت هناك قرائن أخرى تفسر السياق من باب أسباب النزول، توضح ما أبهم من النص، مثل الحديث القطعي في غدير خم كان قرينة تفسيرية تفسر السياق.
ويبقى السؤال قائماً كيف كمل الدين وتمت النعمة بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام).
ونجيب باختصار
١.استمرار القيادة الإلهية وعدم انقطاعها بموت رسول الله صلى الله عليه وآله، كما قال القرآن الكريم إنما أنت منذر ولكل قوم هاد، فالنبوة كما قيل إراءة للطريق والإمامة الأخذ باليد والإيصال إلى المطلوب واللطف الإلهي يريد الوصول والوصال.
٢.بقاء حفظ الشريعة عبر المفسر الحقيقي، فما فائدة نزولها فقط دون حفظها؟ ألم تحرف الشرائع السابقة وهذا ما يدل عليه حديث الثقلين.
٣.التطبيق الحقيقي الفعلي للدين وليس المحرف المزيف الذي سيولد مشاكل كبيرة ضد نفس الدين، وهذا ماحصل مع شديد الأسف، لكن بقي الدين ناصعاً بالعترة .
٤. بقاء السلطة التفسيرية والتطبيقية والقضائية بيد المعصوم حتى تنضج الأمة وتتكامل وتتطور إلى مراحل الأمة الوسطى.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
بقلم الشيخ عبد الحكيم الخزاعي