رفع مظلومية العراق وشعبه وإيقاظه هو أحد أهداف إحياء ذكرى شهادة الزهراء (عليها السلام) وبيان مظلوميتها:
الذي يطالع الخطابات الفاطمية الأربعة عشر التي ألقاها المرجع اليعقوبي منذ سن الزيارة الفاطمية سنة 1427هـ / 2006م سيتعرف على أهداف سماحته من إحياء ذكرى شهادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وإظهار مظلوميتها وسيجد أن من ضمن الأهداف هو إيقاظ الشعب ورفع مظلوميته فقد جاء في البيان الذي أصدره بتاريخ 20/5/2006 والخاص بسن زيارة مخصوصة إلـى مرقد أمير المؤمنيـن (عليه السلام) في ذكرى وفاة الصديقة الزهراء (عليها السلام) زيارة قوله:
وبمقدار احتفالنا بالصديقة الطاهرة (سلام الله عليها) واستعادة مظلوميتها واستذكار مواقفها المشرفة فإننا نساهم في حفظ مسار الأمة من الانحراف.
وقال في موضع آخر من بيانه:
أن هذه المناسبة لو نظمت بشكل جيد وخرج الزائرون بموكب مهيب ويتقدمهم نعش رمزي للزهراء (عليها السلام) يحمله السادة العلويون خصوصا المرتدون للزي الديني فسيكون حقيقة ثورة في وجه الظلم والانحراف … .
وأوضح سماحته:
إننا نعيش ببركة الزهراء ونأمل شفاعة الزهراء ويدفع الله عنا الكثير من البلاء بإقامة شعائر الزهراء وهو مجرب تأريخياً، فلنعمل على استنزال بركة أكثر ورحمة أوسع ولنسأل الله تعالى أن يرفع عنا البلاء بالإحياء الواسع الفاعل لمناسبة الصديقة الكبرى (سلام الله عليها).[ 1 ]
وفي الخطاب الفاطمي الأول الذي ألقاها المرجع اليعقوبي بتاريخ 3/جمادى الثانية/1427 المصادف 29 / 6 / 2006 على حشود المعزين في ساحة ثورة العشرين بالنجف الأشرف أوضح سماحته بأن فاطمة (عليها السلام) (هي ميزان الحق وبها يُعرف طريق الهدى ويُنال رض الله تبارك وتعالى، فلا يصل إلى الهدف المنشود من لم يوالي فاطمة ويسير على نهج فاطمة ويجعل فاطمة معياراً لتمييز الحق من الباطل، وهكذا أرادها الله تعالى ورسوله الكريم أن تكون للأمة حتى لا تضلّ وتشتتها الأهواء.)
وأنها (سلام الله عليها) لم تسكت عن الظالمين والمنحرفين والفاسدين والمتاجرين بالدين والمتسلطين على رقاب الأمة بغير حق …
وبعد أن عرض سماحته بعض جوانب مظلومية الزهراء (ع) أوضح سماحته الهدف من إحياء ذكرى استشهادها حيث قال: أيها الأحبة:
إن احتفالنا بذكرى استشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ليس إثارةً لتأريخٍ مضى وأصبح أرشيفاً، وإنما يعني الاهتداء لطريق الحق الذي رسمته ورضيت عنه صلوات الله عليها ما دام رضاها علامة على رض الله تبارك وتعالى ورفضها دليلا على غضبه سبحانه.
ويعني العودة إلى التوحيد الخالص والتحرر من عبودية الذات والأطماع والهوى والأنانية والمصالح وطاعة الطواغيت وتقديس السلف وغيرها من الأصنام التي تغلّ العقل والقلب عن الانفتاح على الحرية الحقيقية, ويعني رفض الظلم والفساد والانحراف والتسلط على رقاب الأمة بغير حق, ويعني الوحدة الحقيقية للأمة تحت راية القيادة الحقّة حيث قالت عليها السلام (وجعل الله طاعتنا نظاماً للملّة وإمامتنا أماناً من الفرقة).
ألا ترون إلى هذه البشرية الضالة التائهة التي مزّقتها الحروب وتفشّى فيها القتل، ونحن في العراق نفقد يوميا العشرات من الأبرياء ولم تنفع ألف مصالحة وطنية ومؤتمر للوفاق وآخر للحوار ومؤتمرات للوحدة وغيرها من الأسماء والمسميات الخاوية لأنها غير مبتنية على أساس صحيح؟ ولأنها لا تصدر عن نوايا صادقة ولا تراعي المبادئ الإنسانية العليا، وإنما تُقَنن لترعى المصالح الشخصية والفئوية وترسخ الأنانيات وتحكّم شريعة الغاب حيث لا مكان إلا للعنف والعدوان والظلم[ 2 ]
وبهذا الخطاب أراد منا أن نتأسى بالصديقة الطاهرة (عليها السلام) وأن لا نسكت عن الظالمين والمنحرفين والفاسدين والمتاجرين بالدين والمتسلطين على رقاب الأمة بغير حق … كما لم تسكت بضعة المصطفى السيدة الصديقة فاطمة (عليها السلام) …
لهذا أوضح سماحته في كلمة له بعد الخطاب الفاطمي الأول بأيام وعلى وجه التحديد بتاريخ 18 تموز 2006 حملت عنوان (إذا لم يحترق السياسيون بالنار فإنهم لا يحلّون مشاكل البلاد) ومما جاء فيها:
إن الحل متوقف على قناعة السياسيين المتصدين للحكم وصدقهم في إرادة الحل أما إذا بقوا على سلوكهم الحالي الذي لا يبالي بأرواح المواطنين ولا بتخريب البلد والمهم عندهم سرقة أموال الشعب ومداراة مصالحهم الشخصية والحزبية فإنه ستبقى المشكلة وحينما أقول هذا فإنه لا يعني أن هؤلاء السياسيين الذين لا يفترقون عن أمراء الحرب الذين شهدناهم في عدة دول من العالم في العقود الأخيرة يمتلكون الحل فإنهم عاجزون عن قيادة أنفسهم وكبح جماح شهواتهم وأهوائهم ومطامعهم فكيف يحلون مشاكل الناس ويصلحون حالهم وإنما أقول هذا لأنهم سبب المشكلة ومتى ما جنبونا شرورهم فإن الأمور ستعود إلى نصابها فهم سبب المشكلة لا سبب الحل وقد رأينا كيف أن قناعة الفرقاء في الحرب الطائفية في لبنان بعد خمسة عشر عاماً من قتل العباد وتخريب البلاد أنهت الحرب في يوم واحد عندما اجتمعوا في الطائف.
وقال سماحته في موضع آخر من كلمته:
فما دامت النار لم تحرق هؤلاء السياسيين ولم تضُر بمصالحهم الشخصية وتبقى مقتصرة على الأبرياء البائسين فإنهم سوف لا يحلون المشكلة وسيبقون يطمعون في تحقيق مكاسب أكثر على حساب الفرقاء الآخرين باستمرار هذه الويلات والكوارث، وهذا من شر البلاء الذي ابتلينا به أن يفتقد هؤلاء لكل روح وطنية ولكل حرص على المواطن ورحمة بالضعفاء والمساكين والمحرومين.
وفي الخطاب الفاطمي السنوي الثاني الذي ألقاها المرجع اليعقوبي بتاريخ يوم 3/ج2/1428 المصادف 19/6/2007م والذي حمل القسم الثاني منه عنوان (أعداء الشعب ثلاثة: الاحتلال، الإرهاب، فساد الحكومة) مما جاء في خطابه:
وكيف لا نتوقع منهم هذا الاستخفاف بحماية العتبات المقدّسة ونحن نرى انتهاك أقدس المقدسات وهو الإنسان الذي كرّمه الله تبارك وتعالى فجعله خليفته على أرضه [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً] (الإسراء:70).
حيث جعلوا دم الإنسان العراقي المضطهد المحروم ورزقه وتاريخه وحضارته وعزّته وكرامته ثمناً لصفقاتهم ولصراعهم على الغنائم وعلى المصالح وتقاسم النفوذ والهيمنة. وإن كل واحد من المشاركين في ظلم الشعب العراقي بأي درجة من الدرجات سيلاقي عاقبة بغيه فإن ظلم العباد بعضهم لبعض من الذنوب التي لا يتركها الله سبحانه، ولو بغى جبل على جبل لتدكدك.
ففي كل يوم تسفك دماء بريئة من التي وصفها الحديث الشريف (إن دم المؤمن أشد حرمة عند الله من الكعبة)، وفي كل يوم يُضاف عدد جديد إلى الملايين الأربعة من المهجرين في داخل العراق وخارجه الذين أجبروا على التخلي عن وطنهم ومساكنهم وحصيلة جهود السنين المتطاولة، وفي كل يوم تنضمّ أعداد جديدة إلى جيوش العاطلين عن العمل حيث تتعطل المصانع وتتوقف الزراعة والتجارة والأعمال.
وكم رأينا وسمعنا عن جسر يُدمّر أو بناية تُخرَّب أو مشروع خدمي يتعطل من دون أن تقوم الحكومة بإصلاح شيء منها فها هي أنقاض تفجير الروضة العسكرية لم ترفع منذ سنة وأربعة أشهر فضلاً عن إعماره، وها هو جسر الصرافية[ 4 ]على حاله يحكي قصة القطيعة التي يريدون فرضها على أبناء الشعب، وها هو شارع المتنبي[ 5 ] يندب الثقافة والأدب والعلم والفكر، وفي كل مرة نسمع بتشكيل لجان تحقيقية من دون أن نعرف نتيجة واحد منها رغم وضوح أسباب بعض الجرائم كاستشهاد ألف من المؤمنين المعزين بذكرى استشهاد الإمام الكاظم (عليه السلام) على جسر الأئمة قبل سنتين ولم تظهر النتائج إلى الآن.
نعم كل الذي نسمعه فضائح سرقة أموال الشعب حتى تصدّر العراق بلدُ الحضارة والأئمة والعلماء قائمةَ الدول التي استشرى فيها الفساد في تقرير منظمة الشفافية العالمية، وها هي سنة 2007 ينتهي نصفها ولم نرَ من ميزانيتها الانفجارية البالغة (41) مليار دولار شيئاً على ارض الواقع ولا من الأحد عشر مليار دولار التي خصصت للمشاريع الاستثمارية لتشغيل العاطلين، بلى وجدنا العكس حيث رأى العالم كله على شاشات التلفزيون تلكم النسوة والأطفال الذين يبحثون في حاويات القمامة عن طعام يسدّ رمقهم من دون أن يرفّ لهؤلاء جفن أو تحركوا لإنقاذ هؤلاء البائسين المحرومين، وبين أيديهم نهج البلاغة وفيه يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) عقب غارة لجند معاوية على الأنبار فقاموا بسلب النساء المسلمات وغير المسلمات ما تمتنع منهم إلا بالاسترجاع والاسترحام فقال (عليه السلام) (فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً)[ 6 ].
أيها الشعب العراقي النبيل: إن الاحتلال والإرهاب خطران عظيمان يواجهان العراق وشعبه وسببان للمصائب والويلات التي حلّت بهما لكنهما لا يفسران كل ما حصل في العراق من كوارث؛ لأن الأخطر منهما حاضراً ومستقبلاً والذي يوفر لهما عناصر البقاء والنمو هو العنف السياسي الناشئ من الصراع على السلطة، والاستئثار بثروات الشعب، والاستبداد بالقرار، ونظر الكتل السياسية بعضها إلى بعضها على أنهم خصوم وليسوا شركاء في بلد واحد وركاب سفينة واحدة، والتسابق إلى حيازة المغانم على حساب حرمان الشعب من ابسط حقوقه، واعتبار السلطة على أنها وسيلة للإثراء غير المشروع وليست وسيلة لخدمة المواطن وإعمار البلد، وتوزيع المناصب على أساس الولاء للكيان لا على أساس الكفاءة والنزاهة والإخلاص للوطن والشعب، وهذا هو الذي مزّق الشعب وخرّب الدولة وجعل الكتل السياسية منشغلة عن الشعب وهمومه بعقد الصفقات والتسابق على قضم اكبر مقدار ممكن مما يسمونه بالكعكة وسحق الخصوم حتى لو احتاج الأمر إلى التواطؤ مع الجهات الخارجية.
إن الشرعيةَ المكتسبةَ من صناديق الاقتراع مشروطةٌ بالوفاء بالبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي وعدوا بها الناخبين فإذا لم يفوا بها ويخدموا الشعب ويوفروا له حقوق الحياة الحرة الكريمة فعليهم التنحي طوعاً أو كرهاً [وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] (محمد:38).
أيها الأحبة: إن أبا ذر (رضوان الله عليه) من القلة الذين تشرفوا بتشييع الطاهرة الزهراء مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلاً، كان يقول وقد رأى اقل مما رأيتم (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج شاهراً سيفه) وهو نداءٌ إليكم والى كل المحرومين عبر الأجيال.[ 7 ]
والعبارة الأخيرة كانت تحث على الانتفاضة بوجه الظلم والفساد كما هي كلمته التي جاءت بعد الخطاب الفاطمي السنوي الأول ولكن لم يستجب إلا القلة الذي لا يدفع بهم باطل … كما عبر سماحته في كلمة له حيث قال ما نصه:
والعراقيون الذين لم يكونوا بحاجة إلى شرارة من تونس ومصر لتوقظهم، للضيم والدمار والقتل والظلم الذي حلّ بهم، ولطالما استنهضت هممهم منذ عدة سنوات في خطابات وفعاليات، فلم يسمع ولم يستجب إلا النـزر القليل الذين لا يدفع بهم باطل ولا يُصلح بهم ما فسد من أمور المسلمين، وقلت في بعض تلك الكلمات أن هؤلاء السياسيين لا ضمير لهم ولا يحبونكم وإنما يحبّون أنفسهم قد أعماهم حب الدنيا، ولا يتحركون إلاّ عندما تُحرق الأرض تحت أقدامهم وتُهدّد مصالحهم، لكن الشعب لم يفقه ما يقوله المخلصون له …[ 8 ]
هذا بعض ما جاء في خطابه السنوي الفاطمي الأول والثاني وسأكمل معكم في حلقة أخرى ما جاء في بقية الخطابات الفاطمية فيما يخص هذا الموضوع إن شاء الله تعالى
الهوامشـــــــــــــ
[ 1 ] خطاب المرحلة ج4 ص276.
[ 2 ] المصدر السابق ص298-303.
[ 3 ] المصدر السابق ص304.
[ 4 ] كان جسر الصرافية هو المنفذ للتنقل بين الكرخ والرصافة خصوصاً لمحبي أهل البيت (عليهم السلام) الذين يتوجهون من شرق بغداد لزيارة الإمامين الكاظمين بعد تعذر المرور عبر الجسور الأخرى بسبب اشتداد الفتنة الطائفية، فكان تفجيره وسقوط قطعة كبيرة منه في نهر دجلة ذا بعد معنوي إن قطع هذا التواصل بين طرفي بغداد ورسّخ القطيعة إضافة إلى ما يختزن من ذكريات لأهل بغداد حيث ناهز عمره ( 60) عاماً.
[ 5 ] استهدف تفجير شارع المتنبي في بغداد الذي يمثل نافذة بغداد الثقافية والتأريخية وأحرقت العديد من المكتبات والمعالم الأثرية وأزهقت الأرواح.
[ 6 ] نهج البلاغة: ج1 الخطبة 27 ص58.
[ 7 ] خطاب المرحلة ج5 ص139-142.
[ 8 ] المصدر السابق ج7 ص32.
بقلم محمد النجفي