ونحن نمر بسيرة الفاضلة العارفة بحق اهل البيت (ع) في ذكرى رحيلها ؛ يستوقفنا الحوار المعروف الذي جرى بين الإمام علي (ع) و بين اخيه عقيل لترتيب مقدمات الزواج الميمون
.
فالامام (ع) وهو العالم بطرق السماوات كما طرق الارض ، توجه بالسؤال طلبا للارشاد الى امرأة عفيفة تصلح ان تكون زوجة له ، وأما صالحة لأولاده ، يستوقفنا لنستجلي منه الدروس والعبر :
1 . ارشاد المجتمع الإسلامي الى أهمية موضوع الاختيار للأفضل وللأحسن دينيا ودنيويا في شؤون الحياة المختلفة.
2 . الإرشاد الى احد موازيين تقييم الانسان، وضابطة من ضوابط احترامه واجلاله وتقديره والحفاوة به، وهو كمالات شخصيته ، ومقامه، ومنزلته. فالامام علي عليه السلام عرف _بتشديد الراء _ بمقام وشخصية السيدة الجليلة فاطمة الكلابية عليها السلام من خلال عرض ما تتميز به من صفات وملكات ، وكان الحوار مع عقيل اسلوبا اعلاميا ناجحا للتعريف بنجيبة ال كلاب .
3 . الامام علي (ع) بمراجعته لاخيه النسابة عقيل _ وهو في غنى عن سجل انساب قبائل العرب _ ، يركز ثقافة التخصص ومراجعة المتخصص في حياتنا العلمية والعملية . وهذا الامر مطلب عقلائي تفرضه سيرة العقلاء ومرتكزاتهم في عودة الجاهل في الاختصاص الى العالم في ذلك الاختصاص ، وهذا في جميع التعاملات الحياتية، وجاءت الاديان لتقرر هذه الحالة الفطرية ضمن ضوابط وحدود كما الحال في رجوع الجاهل الى العالم الخبير في مجال بيان الأحكام الشرعية الدينية وتوضيح العقائد وتبين المختلف فيه للناس .
4 . الامام علي (ع) برجوعه الى أخيه عقيل فإنه يثقف جمهوره ويرشدهم الى احترام الكفاءات واحتضانها وإعطائها دورا رياديا عمليا في المجتمع الإنساني والاسلامي . فالكفاءة مصدر قوة وعطاء للمؤسسة و للمجتمع ، ومصدر اثراء وتقدم للعمل ، فهو عليه السلام يكرم عقيلا ويجلس عنده ويسأله ويحاوره .
وهذه دعوة علوية في رحاب خطوبة ام البنين عليها السلام لمن يريد النجاح والتفوق لمؤسسته ومجتمعه ودولته ، ان يراجع خططه وبرامجه ، وان يعيد النظر في تعامله مع الكفاءات الفاعلة التي اصبح تعطيلها وتهميشها مرضا شائعا ، بل واصبح التقدير والاحتفاء مؤجلا الى ما بعد الوفاة ، على حد تعبير الشاعر :
لاعرفنك بعد الموت تندبني
وفي حياتي ما زودتني زادي.
5. تأكيد دور الإعلام في الترويج للقيم ، فالإعلام الهادف من أفضل وسائل الترويج للقيم وتسويق الثقافة الإنسانية واقناع الناس بها ، وهذا ما عمد اليه امير المؤمنين (ع) في حديثه مع أخيه عقيل عن المرأة، وعرض ما يميزها سواء في النسب من جهة، و في المكانة الاجتماعية من جهة أخرى، و في التربية والأدب من جهة ثالثة، و في عنصر الجمال والكمال في جهة رابعة، و في حسن الخلق والسمت الاخلاقي ، وغير ذلك.
ومن الطبيعي أن يكون هناك أشخاص أصحاب فضول سوف يسألون عن صحة و دقة المعلومات التي ذكرها عقيل، خصوصاً وأن الزوج الخاطب ليس شخصاً عادياً بل هو أمير المؤمنين (ع) .
6. ( انظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب ؛ لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً ) .
فكلام الإمام علي (ع) مع عقيل ، والتدقيق حول الموضوع ، والتركيز على صفات نجيبة حددها (ع) ، كالنبل والخلق والدين وغيرها من مكرمات الشخصية، لهي رسالة عملية لاهم خطوة في حياة الانسان عندما يفكر في بناء اسرته ، وكلامه عليه السلام مرآة لكل من يبحث عن توفير مقدمات الإستقرار الديني والاخلاقي والنفسي و الثقافي و الاجتماعي للبيت السعيد.
السلام على العارف بحق أهل البيت (ع)
_____
الشيخ عمار الشتيلي