سيرة الإمام محمد بن علي الباقر (ع)
الولادة: ولد الباقر (ع) يوم الاثنين في الثالث من صفر، أو غرة رجب سنة 57 بالمدينة المنورة وكان حاضراً في وقعة الطف مع جده الحسين (ع) وعمره أربع سنين.
الشهادة: يوم الاثنين السابع من ذي الحجة، سنة 114ه وهو ابن ست وخمسين سنة ولد قبل مضي الحسين عليه السلام بثلاث سنين، ومقامه مع أبيه خمساً وثلاثين سنة إلا شهرين.
مدة الإمامة: تسع عشرة سنة.
ألقابه: الشاكر، الهادي، الأمين.
كنيته: أبو جعفر.
نقش خاتمه: ( فإن اللَّه بالغ أمره ومتم نوره)، ( ظني باللَّه حسن وبالنبي المؤتمن وبالوصي ذي المنن وبالحسين والحسن)، ( القوة للَّه جميع)، ( ربِّ لا تذرني فرد).
مدفنه: المدينة المنورة البقيع.
تمهيد
عاش الإمام الباقر (ع) فترة حكم بني أمية بمرحلتي بني سفيان وبني مروان، هذه الفترة التي تميزت بتعبئة العالم الإسلامي في مواجهة أهل البيت عليه السلام. بكل أساليب الدعاية والإغراء المادي والمعنوي. فإن أعلن عداءه لنهج أهل البيت عليه السلام وإلا لم يكن له إلا الاضطهاد والظلم والقمع. وفي كثير من الأحيان حد السيف.
في هذه الأجواء وبعد أحداث عاشوراء ومفاعيلها، قام الإمام الباقر عليه السلام وسط كل تلك الضغوط النفسية والمادية ليقوم بدوره ضمن مرحلته.
ولكن رغم كل الأجواء الضاغطة كان هناك فسحة من الراحة نتيجة انشغال الأمويين بنزاعاتهم الخاصة للاستيلاء على الحكم. بالإضافة إلى الكثير من الثورات التي انطلقت تباعاً بعد واقعة كربلاء والتي أضعفت الحكم الأموي. وقد استفاد الإمام عليه السلام من هذه الفسحة في مواجهة الانحرافات، فما هي مشاكل عصره عليه السلام وكيف واجهها؟
الأجواء العامة الحاكمة
وقد مر معنا أن مراحل حياة الأئمة عليه السلام يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل، وقد جمع بعض المراحل جهود الأئمة السجاد. والباقر، وقسم من حياة الصادق عليهم السلام والعوامل التي ميزت هذه المرحلة. هي:
أ- انتشار الخوف في كافة المناطق الإسلامية خصوصاً بعد واقعة الحرة.
ب- الانحطاط الفكري الذي كان يعمّ أكثر الناس في العالم الإسلامي وهذا كان نتيجة للابتعاد عن التعاليم الدينية خلال سنوات طويلة.
ج- الفساد السياسي المتفشي بين الحكام سواء في المستوى النظري أو العملي.
في ظل هذه العوامل بدء الإمام السجاد عليه السلام بالعمل المتواصل والدؤوب كما مر معنا. وأكمل ابنه الإمام الباقرعليه السلام، ولكن في زمنه كان الوضع قد تحسن عما كان عليه وذلك بفضل جهود الإمام زين العابدين عليه السلام. ولكن ما كان يميز عصر الإمام هو أن الناس لم يعودوا متصفين بعدم الاكتراث وعدم الولاء لأهل البيت عليهم السلام كما كانوا عليه.
مشاكل العصر
لقد وصل الانحراف في عصر الإمام الباقر عليه السلام إلى ذروته، سواء على مستوى الحكم والسلطة أو على المستوى العقائدي والديني والثقافي. فالحكم صار كتلة ظلم وجور، والعقائد والمفاهيم صارت تتضاربها الأهواء فكثرت المدارس وتعددت المناهج وتعمّقت الخلافات.
ويمكن أن نشير في هذا الإطار إلى بعض التيارات التي واجهها الإمام عليه السلام:
1- الغلاة:
وقد نشطوا بقيادة المغيرة بن سعيد الذي قال في حقه الإمام الصادق عليه السلام : ” لعن الله المغيرة إنه كان يكذب على أبي”.
2- المفوضة والمجبرة:
يقول الإمام الباقر عليه السلام :” إياك أن تقول بالتفويض فإن الله عز وجل لم يفوض الأمر إلى خلقه وهناً وضعفاً ولا أجبرهم على معاصيه ظلم”.
3- المرجئة:
وهم الذي حكموا بمشروعية أعمال الخلفاء وتركت الحكم فيما اقترفوه من الأحداث الجسام إلى الله يوم القيامة.
وقد قال عليه السلام محذراً منهم:” اللهم العن المرجئة فإنهم أعداؤنا في الدنيا والاخرة”.
مواجهة الإمام الباقر (ع)
كان لا بد للإمام عليه السلام أن يتحرك بشكل هادئ حتى لا يثير أنظار السلطان وأتباعه. من هنا نجده يقوم بانقلاب شعبي كبير وجذري يبدأ من الثقافة والعلم والمفاهيم، وهو هادئ بقدر ما هو جذري، ولم يبادر إلى الأعمال الساخنة التي تجلب نظر السلطة بشكل مباشر. وقد أخذت الوفود العلمية تترى إليه لتأخذ عنه العلوم والمعارف، وما قصد أحد من العلماء مدينة النبي صلى الله عليه وآله إلا عرج عليه ليأخذ عنه معالم الدين. وهكذا بدأت مسيرة العلم التي استمرت في سائر العصور التي تلته، هذا الدور الأساس والبعيد المدى الذي يتلخص بالجانب العلمي والذي توجه إلى عدة أمور. أهمها:
1 – إعادة المسلمين إلى منهج الأئمة عليهم السلام
يقول عليه السلام:” نحن ولاة أمر الله وخزائن علم الله وورثة وحي الله وحملة كتاب الله طاعتنا فريضة وحبنا إيمان وبغضنا كفر”.ويقول عليه السلام :”برأ الله ممن يبرأ منا لعن الله من لعننا أهلك الله من عادان”.
2 – تفسير القرآن الكريم:
ألف الإمام الباقر عليه السلام كتاباً في تفسير القران الكريم نص عليه محمد بن اسحق النديم في الفهرست عند عرضه للكتب المؤلفة في تفسير القران الكريم قال: ” كتاب الباقر محمد بن علي بن الحسين رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر رئيس الجارودية”.
وقال السيد حسن الصد: وقد رواه عنه أيام استقامته جماعة من ثقاة الشيعة منهم ابو بصير يحيى بن القاسم الأسدي وقد أخرجه علي بن ابراهيم بن هاشم القمي في تفسيره من طريق أبي بصير، ويقول الرواة: ” إن جابر بن يزيد الجعفي ألف كتاباً في تفسير القران أخذه من الإمام عليه السلام “.
3 – الحديث:
لقد اهتم الإمام بنشر أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام لما لهذه الأحاديث من أهمية في معرفة الدين وتفصيل تشريعاته وشرح كتاب الله وبيان اياته، حتى روى عنه جابر الجعفي لوحده سبعين ألف حديث، بالإضافة إلى غيره من الأصحاب الذي التفوا حول الإمام عليه السلام وحفظوا الأحاديث وتناقلوها عنه عليه السلام بالالاف.
ولم يكتفِ الإمام عليه السلام بنشر الحديث وترويجه بين الناس بل حث الناس وشجعهم على المعرفة والفهم لهذه الأحاديث والتعاطي معها تعاطي دراية، فقد روي عنه عليه السلام : ” اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم، ومعرفتهم، فإن المعرفة هي الدراية للرواية وبالدراية للرواية يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان…”.
4- أصول الفقه وقواعده:
لقد كان الامام الباقر عليه السلام أول من أسس علم الأصول وأرسى قواعده بما فيه من استصحاب ونفي الضرر والفراغ… ووضع الموازين الواضحة لتمييز الصحيح من غيره من الروايات.
أصحابه ورواة حديثه
لم يكتفِ الإمام (ع) بحفظ الدين بما فيه من تفسير وتفصيلٍ في الأحاديث ووضع القواعد المساعدة على الفهم، بل نجده اهتم بتربية ثلة من الأصحاب وحملة الحديث جعلهم يتفرغون لذلك وعهد إلى ابنه الامام الصادق عليه السلام أن يتولى القيام بنفقاتهم حتى تخرجت على يديه كوكبة من عيون الفقهاء والعلماء.
ويذكرهم الإمام الصادق (ع) بقوله:” كان أصحاب أبي والله خيراً منكم، كان أصحاب أبي ورقا لا شوك فيه”.
حتى ذكرت كتب التراجم ترجمة أربعمائة واثنان وثمانون شخصاً من تلامذته وأصحابه. منهم العظماء أمثال ابان بن تغلب الذي قال له الإمام عليه السلام :” اجلس في مسجد المدينة وافتِ الناس فإني أحب أن يُرى في شيعتي مثلك”.
الخلاصة
1- وصل الانحراف في عصر الإمام الباقر عليه السلام إلى ذروته، سواء على مستوى الحكم والسلطة أو على المستوى العقائدي والديني والثقافي.
2- قام الإمام بانقلاب شعبي كبير وجذري يبدأ من الثقافة والعلم والمفاهيم يتلخص بإعادة المسلمين إلى منهج الأئمة عليهم السلام والاهتمام بتفسير القرآن الكريم وترويج الحديث وتأسيس أصول الفقه وقواعده.
3- اهتم عليه السلام بتربية ثلة من الأصحاب وحملة الحديث جعلهم يتفرغون لذلك حتى تخرجت على يديه كوكبة من عيون الفقهاء والعلماء.