اسمه وكنيته ونسبه: أبو الحارث، عبد المطّلب بن هاشم بن عبد المناف القرشي.
ولادته: ولد بالمدينة المنوّرة، ولد وفي رأسه شيبة، فقيل له: شيبة الحمد -رجاء أن يكبر ويشيخ ويكثر حمد الناس له- وقد حقّق الله ذلك، فكثر حمدهم له؛ لأنّه كان مفزع قريش في النوائب، وملجأها في الأُمور، وكان شريفهم وسيّدهم كمالاً وفعلاً1.
منزلته الاجتماعية: حكّمته قريش بأموالها، وكانت له الرفادة والسقاية، وكانت له إبل كثيرة يجمعها في المواسم ويسقي لبنها بالعسل في حوض من أدم عند زمزم، ويشتري الزبيب فينقعه في ماء زمزم ويسقيه الحُجّاج. وأعطاه الله من الشرف ما لم يُعط أحداً، وكان فصيح اللسان، حاضر القلب، وكان لطيب ريحه يفوح منه رائحة المسك، وكان نور النبي صلى الله عليه وآله يضيء من غُرّته.
إيمانه: كان يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر، ويؤيّد ذلك قوله للناس: “لن يخرج من الدنيا ظلوم حتّى ينتقم الله منه ويصيبه عقوبة، إلى أن هلك رجل ظلوم ومات حتف أنفه، ولم تصبه عقوبة، فقيل لعبد المطّلب ذلك، ففكّر ثمّ قال: فوالله إنّ وراء هذه الدار داراً، يجزى المحسن بإحسانه، والمسيء يعاقب على إساءته”2. ورفض عبادة الأصنام، ونهى عن أكل ما يُذبح على النصُب، ودعا إلى توحيد الباري عزّ وجلّ، وإلى صلة الأرحام، واصطناع المعروف، والاتّصاف بمكارم الأخلاق. وكان يختلي كثيراً بغار حِراء ليجمع فكره وقلبه في الاستغراق في التفكير في صفات الله وأفعاله الدالّة عليه، فإذا دخل شهر رمضان صعد غار حراء بعد أن يأمر بإطعام المساكين، وتخلّى عن الناس مفكّراً في جلال الله وعظمته.
كراماته: أكرمه الله تعالى بمعجزة حفر بئر زمزم، ومعجزة نبع الماء من تحت راحلته عندما سافر للتقاضي بينه وبين خصومه، فأدركهم العطش ورفض خصومه أن يسقوه وجماعته. وهبه الله عزّ وجلّ أكثر من عشرة أولاد، وكان مستجاب الدعوة، وكانت قريش إذا أصابها قحط شديد تأتيه فتستسقي به فيُسقَون.
وفي حادثة أصحاب الفيل عندما جاء أبرهة الأشرم لهدم الكعبة، قابله عبد المطّلب وطلب منه أن يردّ عليه إبلاً له أخذها الجيش، فقال أبرهة: ألا تطلب منّي أن أعود عن هدم البيت -الكعبة-؟! فأجابه عبد المطّلب بكلمة الإيمان الراسخ: أمّا الإبل فأنا ربّها، وأمّا البيت فإنّ للبيت ربّاً يحميه، وأمسك عبد المطّلب بحلقة باب الكعبة وناجى ربّه:
يا ربِّ لا أرجو لهم سواكا يا ربّ فامنَع منهمُ حِماكا
إنّ عدوّ البيتَ مَن عاداكا امنعهمُ أن يُخربوا فِناكا3.
ثمّ عقّب بقوله: يا معشر قريش، لا يصل إلى هدم هذا البيت، فإنّ له ربّاً يحميه ويحفظه، فأهلك الله أبرهة وجيشه، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في سورة الفيل بقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مّأْكُولٍ﴾. وكانت الحادثة سنة ولادة رسول الله صلى الله عليه وآله، ولأجل ذلك قالوا: ولد النبي عام الفيل.
سُنَنُه: قد سنّ كثيراً من السنن التي أقرّها الإسلام: كقطع يد السارق، وفرض الدية مائة من الإِبل، والوفاء بالنذر، ونهى أن يطوف في البيت -الكعبة- عريان، وحدّد الطواف بسبعة أشواط، وحرّم الخمر والزنا ونكاح المحارم، ونهى عن وأد البنات، وكان أوّل من أخرج الخمس، وكان يأمر أولاده بترك الظلم والبغي، ويحثّهم على مكارم الأخلاق، وينهاهم عن دنيّات الأُمور.
كرمه: كان كثير الكرم، حيث إنّه قد لُقّب بالفيّاض مُطعم الوحش والطير، ولشدّة كرمه أطلقت عليه العرب إبراهيمَ الثاني، وكذلك للخصال الحميدة التي تجمّعن فيه.
من أقوال المعصومين عليهم السلام فيه:
1- قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “قال لي جبرائيل: إنّ الله مشفّعك في ستّة: بطن حملتك -آمنة بنت وهب-، وصلب أنزلك -عبد الله بن عبد المطّلب-، وحجر كفلك -أبو طالب-، وبيت آواك -عبد المطّلب، وأخ كان لك في الجاهلية… وثدي أرضعتك حليمة بنت أبي ذؤيب” .
2- عن الأصبغ بن نباتة قال: “سمعت علياً عليه السلام يقول: “والله ما عبد أبي ولا جدّي عبد المطّلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قطّ “، قيل له: فما كانوا يعبدون؟ قال:” كانوا يصلّون إلى البيت، على دين إبراهيم عليه السلام متمسّكين به”.
3- قال الإمام الصادق عليه السلام: “يبعث عبد المطّلب أُمّة وحده، عليه بهاء الملوك، وسيماء الأنبياء، وذلك أنّه أوّل من قال بالبداء”. قال: “وكان عبد المطّلب أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى رعاته في إبل قد ندّت له، فجمعها فأبطأ عليه، فأخذ بحلقة باب الكعبة وجعل يقول: يا ربّ أتهلك آلك؟ إن تفعل فأمرٌ ما بدا لك. فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله بالإبل، وقد وجّه عبد المطّلب في كلّ طريق، وفي كلّ شعب في طلبه، ولمّا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله أخذه فقبّله وقال: يا بُنيّ، لا وجهتك بعد هذا في شيء، فإنّي أخاف أن تُغتال فتُقتل” . توضيح: قوله عليه السلام: “في إبل قد ندّت له”، أي نفرت وذهبت على وجهها شاردة. وقوله عليه السلام: “أتهلك آلك”، أي أتهلك من جعلته أهلك، ووعدت أنّه سيصير نبيّاً، ثمّ تفطّن بإمكان البداء فقال: إن تفعل فأمر آخر بدا لك فيه، فظهر أنّه كان قائلاً بالبداء.
والاغتيال: هو أن يخدع ويقتل في موضع لا يراه أحد.
كفالته للنبي صلى الله عليه وآله: كفل النبي صلى الله عليه وآله بعد وفاة أبيه جدُّه عبد المطّلب، وقام بتربيته وحفظه أحسن قيام، ورقّ عليه رقّة لم يرقها على ولده، وكان يقرّبه منه ويدنيه، ولا يأكل طعاماً إلّا أحضره، وكان يدخل عليه إذا خلا وإذا نام، ويجلس على فراشه فيقول: دعوه. ولمّا صار عمره صلى الله عليه وآله ستّ سنين، أخرجته أُمّه إلى أخواله بني عدي بن النجّار بالمدينة تزورهم به، ومعه أُم أيمن، فبقيت عندهم شهراً، ثمّ رجعت به أُمّه إلى مكّة، فتوفّيت بالأبواء بين المدينة ومكّة، فعادت به أُم أيمن إلى مكّة إلى جدّه عبد المطّلب، فبقي في كفالته من حين وفاة أبيه ثمان سنين.
يقينه بالنبوّة: كان شديد اليقين بنبوّة محمّد صلى الله عليه وآله، وأنّه نبي مرسل من قبل الله عزّ وجلّ، وقد فرح كثيراً بولادته وأنشد:
الحـمد لله الذي أعـطاني هذا الغلامَ الطيّبَ الأردانِ
قد ساد في المهد على الغلمان أُعيـذه بالله ذي الأركانِ
حتـّى أراه بالـغَ البُنيـانِ أُعيذه من شرّ ذي شنـآنِ
من حاسدٍ مضطربِ العنان
وصاياه بالنبي صلى الله عليه وآله: كان قبل وفاته كثيراً ما يوصي ولده أبا طالب بمحمّد صلى الله عليه وآله قائلاً: “يا بُني! تَسلّم ابن أخيك، فأنت شيخ قومك وعاقلهم، ومَن أجدُ فيه الحِجى دونهم، وهذا الغلام تحدّثت به الكهّان، وقد روينا في الأخبار أنّه سيظهر من تهامة نبيٌّ كريم، وقد رُوي فيه علامات قد وجدتها فيه، فأكرِم مثواه واحفظه من اليهود فإنّهم أعداؤه” . فأجابه أبو طالب: قد قبلت، واللهُ على ذلك شاهد. ثمّ مدّ يده إليه، فضرب بها على يد ابنه أبي طالب قائلاً: الآن خُفّف علَيّ الموت، وودّعه عبد المطّلب وهو يقبّله قائلاً: أشهد أنّي لم أر أحداً في ولدي أطيب ريحاً منك، ولا أحسن وجهاً .
تاريخ ومكان وفاته: 10ربيع الأوّل 45 قبل الهجرة، مكّة المكرّمة. وأعظمت قريش موته، وغُسل بالماء والسدر -وكانت قريش أوّل مَن غسل الموتى بالسدر- ولُفّ في حُلّتين من حلل اليمن قيمتهما ألف مثقال ذهب، وطُرح عليه المسك حتّى ستره، وحُمل على أيدي الرجال عدّة أيّام إعظاماً وإكراماً وإكباراً لتغييبه في التراب10، ودُفن بمقبرة الحجون في مكّة.