الشذرة الاولى
الجميع يعلم ان الفترة المنصرمة كانت حافلة بمجموعة من الاحداث على راسها الهجمة الاعلامية التي قامت بها جهة دينية ضد المرجع الكبير الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) التي استخدمت فيها اساليب غير شريفة ومضللة للراي العام وهي بعيدة كل البعد عن الدين والاخلاق الاسلامية ولا تمت لثقافة اهل البيت (عليهم السلام) باي صلة. فكان الجميع ينتظر ما الذي سيتحدث به المرجع اليعقوبي في خطبتي صلاة العيد، لعل البعض توقع انه سيهاجم تلك الجهة ويقابلهم بالأسلوب نفسه، الا انه اثبت ان خُلقه القران ومنهجه منهج اهل البيت (عليهم السلام) فكان خطابهُ خطاب قراني متزن يفرق من خلاله بين الحق والباطل فالفرق بين الحق والباطل اوضح من الشمس في رابعة النهار، فكما انطبق على الرسول واهل بيته (عليهم السلام) في تمثيلهم الحق وانطباق الباطل على اعداءهم كذلك اليوم الحق واضح وبين وعلى من ينطبق فالذي يتخلق بالقران واخلاق اهل البيت هو الامتداد لهم (عليهم السلام)، اما الباطل فيمثله اليوم الطرف الذي يستخدم اساليب عتاة قريش بأكاذيبهم وافتراءهم وتزييفهم الحقائق.
ان ما جاد به المرجع اليعقوبي وما اتحفنا به من شرح وتفسير للايتين المباركتين في سورة المؤمنين وسورة الزخرف قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (المؤمنون:٧٠) وقال تعالى {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (الزخرف:٧٨).
لحقيق ان تُعقد لها ندوات متعددة لسعة الجوانب التي وردت في الخطبتين، لكني سأقتصر على واحدة من الشذرات التي اتحفنا بها، وهي وضع الامة امام واحد من اهم تكاليفها في حال المواجهة بين الحق والباطل، معتمد في ذلك على مقولة امير المؤمنين (عليه السلام):
(إن سعدا وعبد الله بن عمر لم ينصرا الحق ، ولم يخذلا الباطل). وقد جاءت هذه المقولة تصحيحا لما كان يفهمهُ بعضهم مثل سعد بن ابي وقاص وعبد الله بن عمر وغيرهما الكثير. وهذه الشبهة لا زالت قائمة الى اليوم. وقد ناقش ابن ابي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة هذه الشبهة او قل المغالطة بقوله:
(ولما كان سعد وعبد الله لم يقوما خطيبين في الناس يعلمانهم باطل معاوية وأصحاب الجمل ، ولم يكشفا اللبس والشبهة الداخلة على الناس في حرب هذين الفريقين ، ولم يوضحا وجوب طاعة علي عليه السلام فيرد الناس عن اتباع صاحب الجمل وأهل الشام صدق عليهما أنهما لم يخذلا الباطل ). شرح نهج البلاغة ج 19 ص 148
يصحح المرجع اليعقوبي في هذا الجزء من الخطبة مفهوماً خاطئا سارت عليه الامة، فموقف غالبية الامة ينقسم على اقسام:
الاول: يتصور بعضهم ان عدم الوقوف مع اي طرف من الاطراف فيه نجاتهُ في الدنيا والاخرة، والحقيقة انه خسر الدنيا والاخرة. هذا القسم غير واعٍ لما يدور حوله ولم يفرق بين الحق والباطل.
الثاني: لم يقف مع اي طرف من الاطراف، الا انه يختلف عن القسم الاول كونه مشخص لطرف الحق وطرف الباطل، الا ان الذي يمنعه من نصرة الحق وخذلان الباطل خوفه على مصالحه او انه يتصف بالجبن.
الثالث: فئة من الامة لم تكتف بعدم نصرة الحق وخذلان الباطل، بل انها تعد هذه المواجهة فتنة يجب الابتعاد عنها وتعمل على تثبيط عزيمة من يريد نصرة الحق، مثال ذلك موقف ابو موسى الاشعري حينما منع الناس من الالتحاق بأمير المؤمنين (عليه السلام) عندما استنهضهم الامام الحسن وعمار بن ياسر لمعركة الجمل، بادعائه انها فتنة الجالس فيها خير من القائم.
ان المرجع اليعقوبي يضع كل الامة امام مسؤولية نصرة الحق في المواجهة القائمة اليوم، فلا وجود لمنطقة رمادية بل يجب ان يكون الموقف واضحاً وهو نصرة الحق وما عداه فهو نصرة للباطل وان لم يحرك ساكن. وهذا التكليف شامل للجميع دون استثناء، فكثير من طلبة الحوزة والمثقفين والمدركين لحقيقة الصراع لم يتخذوا الموقف الصحيح ولم ينصروا الحق. لعلهم لا يشعرون بالمسؤولية تجاه جهة الحق لانهم ينتسبون لجهات اخرى فلا يرون نصرة الحق واجباً عليهم، لكن الحقيقة وان انتسبوا الى جهات اخرى او حتى من يدعي الاجتهاد عليه ان يبين موقفه في نصرة الحق وخذلان الباطل. ولا تتوقف نصرة الحق على اتباع المرجع اليعقوبي بل هي مسؤولية الجميع دون استثناء، وفي حال التقصير فان الجميع سيقف امام الله تعالى ليبين موقفه.
قد يحاول بعضهم ان يكرر موقف الاشعري بتشبثه بروايات صحيحة الا ان تطبيقها خاطئ، مثل: (كن في الفتن كابن اللبون لا ظهر يركب ولا ضرع يحلب). او روايات الاعتزال في زمن الفتن. وبذلك يبرر لنفسه عدم نصرة الحق ويثبط عزيمة الامة لنصرة الحق.
اقول : بشكل مختصر، ان الفتنة التي تذكرها الروايات ليس جهة الحق طرفاً فيها، فاذا كانت جهة الحق طرفاً فلا يحق لأي احد يعد نفسه مؤمناً من الاعتزال بل عليه نصرة الحق، من سمع واعيتنا ولم ينصرنا اكبه على منخريه في جهنم يوم القيامة.
اما مستويات النصرة وكيف تكون النصرة فسنتركه للمقال المقبل ان شاء الله تعالى.