بقلم: أمّ مصطفى الكعبي
تلألأتْ أنوارُ الهدايةِ وتكلّلتْ عَبَقًا يتغلغلُ على رمالِ صحراء البلادِ والعِباد، بل على مشارقِ الأرضِ ومغاربها.. بل على القلوبِ المُتحجّرةِ والنفوسِ الغارقةِ في أهوائها وملذّاتها ولَهثِها وراءَ المُغريات.. مولاي يا حُسين..
لا أرى أجساداً، بل هي قلوبٌ تحثُّ الخُطى نحوك، تهفو مُسرعةً مُتشوِّقةً تتسابقُ مع رياحٍ حملتْ ترابَ أقدامِ السائرين سيّدي..
أيُّ جاذبيةٍ وأيُّ أنوارٍ تشعُّ لتتجلّى في قلوبٍ انطوتْ على محبتكم أهلِ البيت (عليكم السلام)
هذه الصرخةُ الإعلاميةُ، هي صناعةُ تلك اللبوةِ الحيدريةِ الفاطميةِ عندَما قالتْ: كِدْ كيدَك، واسعَ سعيَك، فواللهِ لن تمحوَ ذكرنا …
حقًّا وصدقًا صرّحَ لسانُكِ مولاتي زينب..
وأيُّ كلامٍ بعدَ هذا، يُلقِمُ الأعداءَ حجرًا بكُلِّ زمان؟!
خابتْ آمالُ أعدائكم، وخسرتِ الصفقةُ واندحرتْ شياطينُ الإنسِ والجِنِّ، لأنّ نورَكم باقٍ منذُ الأزل وإلى الأبد.. لأنه لا ينفكُّ عن الإضاءةِ؛ لعدمِ انفكاكها عن مصدرها
قد تسألُ: كيفَ هذا؟!
والجوابُ: الجميعُ يُشاهد وينظرُ إلى ملايين البشر؛ فيهم المسلم وغيره من مُعتنقي الأديان، يتفاعلون مع أربعين الحسين (عليه السلام).. إلى مسيراتِ بُكاءِ شجونٍ وتعاطف..
هل هؤلاءِ أو أغلبهم يعرفُ الحُسين (عليه السلام) بأنّه إمامٌ أو حجةُ الله في أرضه أو أنّه إنسانٌ معصومٌ وما يقولُه ويفعلُه حُجّةٌ، أو أنّه إنسانٌ يجبُ أنْ نتخذَه قدوةً وأسوةً لنا في جميعِ نواحي الحياة؟
كلا، من المؤكّدِ ليس جميعُ هؤلاءِ الناس يعرفون هذا عن الإمامِ الحسين (عليه السلام)، ولكن لا نُنكِرُ أيضًا أنَّ بعضَ الناسِ لهم معرفةٌ خاصةٌ بالإمامِ وفضائلِه وكمالاتِه ومنزلتِه ومقامِه السامي الراقي عندَ اللهِ (تعالى) وعندَ المُسلمين وغيرهم، وبعضهم له معرفةٌ أقلُّ وأبسطُ.. كُلٌّ على قدرِ علمِه ومعرفتِه..
ومع هذا يبقى السؤال:
ما السرُّ في الأمرِ؟
إذ نرى اليومَ توحُّدَ القلوبِ حولَ قِمّةٍ عاليةٍ تشعُّ بأنوار!
جاذبيةً يحفُّ بها الأملُ والرجاءُ إلى كُلِّ إنسانٍ على هذهِ المعمورة..
فأيُّ شمسٍ وهبَها اللهُ (تعالى) لنا؛ لتُحيينا وتمنحنا القوةَ والإرادةَ والصمود.
لو كانَ الحديثُ عن الشيعةِ فالأمرُ واضحٌ لحديثٍ مرويٍ عن الإمامِ أميرِ المؤمنين (عليه السلام)، وهو حديثٌ طويلٌ جدًا يتحدّثُ عن مواضيعَ مُختلفةٍ ونحنُ نُشيرُ إلى موضعِ الحاجةِ منه وهو: “… إِنَّ اللهَ (تَبَارَكَ وتَعَالَى) اطَّلَعَ إِلَى الْأَرْضِ فَاخْتَارَنَا وَاخْتَارَ لَنَا شِيعَةً يَنْصُرُونَنَا، وَيَفْرَحُونَ لِفَرَحِنَا، وَيَحْزَنُونَ لِحُزْنِنَا، وَيَبْذُلُونَ أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ فِينَا، أُولَئِكَ مِنَّا وَإِلَيْنَا”.
أما ما نراهُ من تعاطُفِ وانجذابِ ومحبةِ وتفاعُلِ الكثيرِ من الناسِ في أيامِ مُحرّمٍ وصفر والذكرى الأليمةِ حيثُ الاستشهاد وزيارة الأربعين فإنّه كُلّه مُمكنُ التفسير _بعقلي القاصر_..
بدايةً إنَّ من آثارِ الاعتقادِ بالخالقِ والصانع هو أثرٌ فطريٌّ، خلق اللهُ (تعالى) الإنسانَ عليه وهو خالٍ من كُلِّ شوائب داخلَ نفسِ الإنسان، أمّا ما نراه من انحرافاتِ فإنّما هي لعارض..
وهذا الأثرُ يشملُ عمومَ البشر من كُلِّ الأديانِ والمذاهبِ، ومعناه أنّه في خلقِ الإنسانِ بما هو إنسان..
أما الفطرةُ فلها عِدّةُ معانٍ منها ما وردَ عن الأئمةِ الأطهار، ومعناها التوحيد، وفي موردٍ آخر الإسلام، والمعرفة، والولاية، وموضوعُ حديثنا الإنسانُ بفطرتِه يُحِبُّ الكمالَ ويبحثُ عن طريقٍ يوصلُه إليه، ويُحِبُّ السعادةً التي هي فرعُ النجاة، وهذه المعاني تتجلّى في حبيبِ اللهِ ورسولِه الحُسينِ (سلام الله عليه).
آهٍ على سليلِ الأنبياء..
شهادةُ السبطِ الحسين (عليه السلام) غيّرتْ مجرى التاريخِ للبشريةِ جمعاء، وليسَ للمُسلمين أو لطائفةٍ خاصةٍ..
نعم، غيّرتْ صفحةً مُظلمةً استولى فيها العُتاةُ والظلمةُ على رقابِ عبادِ الله (تعالى)، واستحلّوا دماءهم وحُرُماتِهم، فأبى ابنُ الأنبياءِ ووارثُهم وصفوةُ الأزكياء أنْ يستمرَّ الحالُ للأُمّةِ فثارَ فدتْه أرواحُنا، وأيُّ ثورةٍ هي بُركانُ غضبٍ اقتلعتْ جذورَ الظلمِ، وهزّتْ عروشَهم وتلاشتْ هباءً خُطَطُهم الخبيثةُ لمُستقبلهم الموهوم.
اليوم البشريةُ بحُبِّ الحُسينِ (سلام الله عليه) سائرون في طريقِ الصلاحِ والإصلاح؛ فالناسُ لا تستسلمُ بسهولةٍ ويسر، ولا تخضعُ حتى لو كانَ الأمرُ لصالحها، وهي ديدنُ البشريةِ لكن هُنا الأمرُ مُختلفٌ..
طأطأ كُلُّ شريفٍ لشرفكم…
فيا ربّ الحُسينِ بحقِّ الحُسين، اجمعِ القلوبَ والأرواحَ لنُصرةِ دولةِ المُنتظرِ المهدي (عجل الله فرجه) وانصر رايته وشعاره (يا لثاراتِ الحُسينِ)، ووفِّقنا لنُصرتهِ والامتثالِ لأمره..
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية