وهكذا كان دأب الإمام الصادق (ع) مع المنصور في جميع الأوقات والشهور، حتّى دسّ إليه سمّاً نقيعاً في عنب, فأكله (سلام الله عليه) فجعل يجود بنفسه وقد أخضرّ لونه وصار يتقيّأ ما في جوفه قطعاً قطعاً, ومرض مرضاً شديداً ووقع في فراشه.
عن أبي بصير، قال: دخلت على أمّ حميدة أعزّيها بأبي عبد الله الصادق (ع)، فبكت وبكيت لبكائها، ثمّ قالت: يا أبا محمّد، لو رأيت أبا عبد الله عليه السلام عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه ثمّ قال: “اجمعوا لي كلّ من بيني وبينه قرابة”. قالت: فلم نترك أحداً إلّا جمعناه. قالت: فنظر إليهم ثمّ قال: “إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة”.
ودخل بعض أصحابه عليه السلام- في مرضه الذي توفّي فيه- إليه وقد ذبل فلم يبق إلّا رأسه – أي من شدّة الضعف والمرض- فبكى, فقال: “لأيّ شيء تبكي؟” فقال: كيف لا أبكي وأنا أراك على هذه الحال؟ قال: “لا تفعل فإنّ المؤمن تعرض (عليه) كلّ خير إن قطّع أعضاؤه كان خيراً له، وإن ملك ما بين المشرق والمغرب كان خيراً له”.
وأغمي عليه فلمّا أفاق قال: “أعطوا الحسن بن عليّ بن الحسين (وهو الأفطس) سبعين ديناراً وأعطوا فلاناً كذا وكذا وفلاناً كذا وكذا ..”, وقد نصّ على ابنه موسى بن جعفر وأسرّ إليه تلك الوصيّة وأظهرها وأشهد عليها جملة من الأوصياء والأعداء..
وأوصى الإمام الصادق (ع) أن يناح عليه سبعة مواسم, فأوقف لكلّ موسم مالاً ينفق.
وقال لولده الكاظم عليه السلام: “يا بنيّ, إذا أنا متّ فلا يغسّلني أحد غيرك, فإنّ الإمام لا يغسّله إلّا إمام..” ثمّ عرق جبينه, وسكن أنينه, وقضى نحبه مسموماً شهيداً صابراً محتسباً, أي وا إماماه وا سيّداه وا صادقاه..
فلمّا مات عليه السلام تزعزعت المدينة بسكّانها وخرجت المخدّرات من أوطانها لاطمات للخدود خادشات للنواصي والعيون كلّ تنادي: وا إماماه وا جعفراه وا سيّداه, وخرجت المساكين والأيتام ينادون: وا ضيعتاه وا محنتاه وا قلّة ناصراه.
صرخت فرد صرخة الهاشميّات صاحن حيف أبو الكاظم قضى ومات
فِزعت كل أهل طيبة على الأصوات تصيح تقول مات ابن الميامين
وبكاه ابنه موسى الكاظم عليه السلام قائلاً: “يا أبتاه مِن بعدك واطول حزناه واحسرتاه من بعدك يا أبتاه وا انقطاع ظهراه”.
گام أو غسله الكاظم او شك لحده او بيده نزّله او ظل ينتحب عنده
بس احسين محّد غسله وحده ثلث تيام مطروح ابشهر عاشور
فقام موسى عليه السلام في جهاز أبيه عليه السلام فغسّله وحنّطه وكفّنه وعيناه تهملان دموعاً وحمل جنازته عليه السلام إلى البقيع ودفنه جوار أبيه وعمّه عليهما السلام.
عن يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: سمعته يقول: “أنا كفّنت أبي في ثوبين شطويين8 كان يحرم فيهما, وفي قميص من قمصه, وفي عمامة كانت لعليّ بن الحسين عليهما السلام, وفي برد اشتراه بأربعين ديناراً” .
لكن الحسين عليه السلام بقي ثلاثة أيّام بلا غسل ولا كفن, عاري اللباس قطيع الرأس منخمد الأنفاس, ملقىً على الثرى, تسفي عليه الرياح, وتزوره وحوش الفلا..
لاكن أگول اتخف الأحزان ما مات مثل حسين عطشان
ولا لعبت عليه الخيل ميدان ولا ظل ثلث تيام عريان
ولا نسبت للشام نسوان
عن عيسى بن دأب قال: لمّا حمل أبو عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام على سريره وأخرج إلى البقيع ليدفن، قال أبو هريرة:
أَقُولُ وَقَدْ رَاحُوا بِهِ يَحْمِلُونَهُ عَلَى كَاهِلٍ مِنْ حَامِلِيهِ وَعَاتِقِ
أَتَدْرُونَ مَاذَا تَحْمِلُونَ إِلَى الثَّرَى ثَبِيراً ثَوَى مِنْ رَأْسِ عَلْيَاءَ شَاهِقِ
غَدَاةَ حَثَا الحَاثُونَ فَوْقَ ضَرِيحِهِ تُرَاباً وَأَوْلَى كَانَ فَوْقَ المَفَارِقِ
أَيَا صَادِقُ بْنُ الصَّادِقِينَ أَلِيَّةً 11 بِآبائِكَ الأَطْهَارِ حِلْفَةَ صَادِقِ
لَحَقّاً بِكُمْ ذوُ العَرْشِ أَقْسَمَ في الوَرَى فَقَالَ تَعَالَى اللهُ رَبُّ المَشَارِقِ
نُجُومٌ هِيَ اثْنَا عَشْرةً كُنَّ سُبَّق إِلَى اللهِ في عِلْمٍ مِنَ اللهِ سَابِقِ
ولمّا قبض أبو عبد الله عليه السلام أمر أبو الحسن موسى عليه السلام بالسراج في البيت الذي كان يسكنه..
مَاتَ بِالسُّمِّ جَعْفَرٌ لَيْتَ نَفْسِي آذَنَتْ قَبْلَ نَفْسِهِ بِالذَّهَابِ
فَلْتَنُحْ بَعْدَهُ الشَّرِيعَةُ حُزْن دُرِسَتْ بَعْدَهُ رُسُومُ الكِتَابِ
الإمام الصادق عليه السلام مع جدِّه الحسين عليه السلام:
لقد ربط الإمام الصادق عليه السلام الناس بجدّه الحسين عليه السلام من خلال أساليب متعدّدة, كزيارة قبره الشريف والحثّ عليها وبيان فضلها, وحثّه الشعراء على رثائه وإنشاد الشعر فيه, وإقامة المجالس الحسينيّة, والحثّ على البكاء والإبكاء عليه, وتحديثه الناس بما جرى من المصائب عليه, وربط الناس به عليه السلام حتّى في بعض المفردات الصغيرة كذكره عند شرب الماء ولعن قاتله.
ونشير هاهنا إلى بعض الروايات الواردة عنه عليه السلام بهذا الشأن:
– دعاء الإمام الصادق (ع) لزوار قبر الحسين عليه السلام:
عن معاوية بن وهب، قال: استأذنت على أبي عبد الله عليه السلام فقيل لي: أدخل، فدخلت، فوجدته في مصلّاه في بيته، فجلست حتّى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربّه وهو يقول:
“أللهمّ يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا بالشفاعة، وخصّنا بالوصيّة، وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني، وزوّار قبر أبي عبد الله الحسين، الذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم، رغبة في برّنا، ورجاءً لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيّك، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضوانك, فكافهم عنّا بالرضوان، واكلأهم بالليل والنّهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلَّفوا بأحسن الخلف، واصحبهم، واكفهم شرَّ كلّ جبّار عنيد، وكلّ ضعيف من خلقك وشديد، وشرّ شياطين الإنس والجنّ، وأعطهم أفضل ما أمَّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم”.
“أللهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافاً منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي غيَّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تتقلّب على حفرة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا. أللهمّ إنّي أستودعك تلك الأبدان وتلك الأنفس، حتّى توافيهم من الحوض يوم العطش”.
فما زال يدعو وهو ساجد بهذا الدعاء، فلمّا انصرف قلت: جعلت فداك لو أنّ هذا الدعاء الذي سمعت منك كان لمن لا يعرف الله عزَّ وجلَّ لظننت أنّ النّار لا تطعم منه شيئاً أبداً، والله لقد تمنّيت أنّي كنت زرته ولم أحجّ، فقال لي: “ما أقربك منه فما الذي يمنعك من زيارته”. ثمّ قال: “يا معاوية ولم تدع ذلك”، قلت: جعلت فداك لم أدر أنّ الأمر يبلغ هذا كلّه، فقال: “يا معاوية من يدعو لزوّاره في السماء أكثر ممّن يدعو لهم في الأرض”.
– ذكر الحسين عليه السلام عند شرب الماء:
عن داود الرقّي، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ استسقى الماء، فلمّا شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثمّ قال لي: “يا داود لعن الله قاتل الحسين عليه السلام، فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام ولعن قاتله إلّا كتب الله له مائة ألف حسنة، وحطّ عنه مائة ألف سيّئة، ورفع له مائة ألف درجة، وكأنّما أعتق مائة ألف نسمة، وحشره الله تعالى يوم القيامة ثلج الفؤاد”.
-بكاء الإمام الصادق (ع) على الحسين (ع) وحثّه عليه:
عن أبي عمارة المنشد، قال: ما ذكر الحسين عليه السلام عند أبي عبد الله عليه السلام في يوم قطّ فرئي أبو عبد الله عليه السلام متبسّماً في ذلك اليوم إلى الليل، وكان عليه السلام يقول: “الحسين عليه السلام عبرة كلّ مؤمن”.
وروى عبد الله بن سنان قال: دخلت على سيّدي أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام في يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط. فقلت: يا ابن رسول الله! ممّ بكاؤك؟ لا أبكى الله عينيك، فقال لي: “أَوَ في غفلة أنت؟ أما علمت أنّ الحسين بن عليّ أصيب في مثل هذا اليوم؟” فقلت: يا سيّدي! فما قولك في صومه؟ فقال لي: “صمه من غير تبييت، وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كملاً وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول الله وانكشفت الملحمة عنهم، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً في مواليهم يعزّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصرعهم ولو كان في الدنيا يومئذٍ حيّاً لكان صلوات الله عليه هو المعزَّى بهم”، قال: وبكى أبو عبد الله عليه السلام حتّى اخضلَّت لحيته بدموعه..
وعن مسمع كردين أنّه قال له: “أفما تذكر ما صنع به؟” (يعني الحسين عليه السلام)، قال: قلت: نعم، قال: “فتجزع”، قلت: إي والله, وأستعبِر لذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ فأمتنع من الطعام حتّى يستبين ذلك في وجهي، قال: “رحم الله دمعتك، أما إنّك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا, والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أمنا، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك ووصيّتهم ملك الموت بك وما يلقونك به من البشارة أفضل، وملك الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمة لك من الأمّ الشفيقة على ولدها”.
قال: ثمّ استعبر واستعبرت معه، فقال: “الحمد لله الذي فضّلنا على خلقه بالرحمة وخصّنا أهل البيت بالرحمة، يا مسمع إنّ الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين عليه السلام رحمة لنا، وما بكى لنا من الملائكة أكثر وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا، وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلّا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دموعه على خدّه فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرَّها حتّى لا يوجد لها حرّ، وإنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه حتّى أنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه. يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً ولم يستق بعدها أبداً..”.
– استنشاد الإمام الصادق (ع) الشعراء رثاء الحسين عليه السلام:
عن عليّ بن إسماعيل التميميّ عن أبيه قال: كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه السلام إذ استأذن آذنه السيّد (الحميريّ) فأمره بإيصاله، وأقعد حرمه خلف ستر، ودخل فسلّم وجلس فاستنشده فأنشد قوله:
أُمْرُرْ عَلَى جَدَثِ الحُسَيْ نِ فَقُلْ لِأَعْظُمِهِ الزَّكِيَّهْ
يَا أَعْظُماً لَا زِلْتِ مِنْ وَطْفَاءَ سَاكِبَةٍ رَوِيَّهْ
فَإِذَا مَرَرْتِ بِقَبْرِهِ فَأَطِلْ بِهِ وَقْفَ المَطِيَّهْ
وَابْكِ المُطَهَّرَ لِلْمُطَ ـهَّرِ وَالمُطَهَّرَةِ النَّقِيَّهْ
كَبُكَاءِ مُعْوِلَةٍ أَتَتْ يَوْماً لِوَاحِدِهَا المَنِيَّهْ
الصراخ والبكاء من داره، حتّى أمره بالإمساك فأمسك..
وعن أبي هارون المكفوف، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي: “أنشدني”, فأنشدته، فقال: “لا، كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره”، قال: فأنشدته:
أُمْرُرْ عَلَى جَدَثِ الحُسَيْـ ـنِ فَقُلْ لِأَعْظُمِهِ الزَّكِيَّهْ
قال: فلمّا بكى أمسكت أنا، فقال: “مرّ”، فمررت، قال: ثمّ قال: “زدني زدني”، قال: فأنشدته:
يَا مَرْيَمُ قُومِي فَانْدُبِي مَوْلَاكِ وَعَلَى الحُسَيْنِ فَأَسْعِدِي بِبُكَاكِ
قال: فبكى وتهايج النساء، قال: فلمّا أن سكتن قال لي: “يا أبا هارون من أنشد في الحسين عليه السلام فأبكى عشرة فله الجنّة”, ثمّ جعل ينقص واحداً واحداً حتّى بلغ الواحد فقال: “من أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنّة”، ثمّ قال: “من ذكره فبكى فله الجنّة”.
في زيارة الإمام الصادق (ع):
روي عن الصادق (ع) أنّه قال: “من زارني غفرت له ذنوبه ولم يمت فقيراً”.
وروي عن أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري عليهما السلام أنّه قال: “من زار جعفراً وأباه لم يشتك عينه ولم يصبه سقم ولم يمت مبتلى”.
وعن زيد الشحّام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما لمن زار أحداً منكم؟ قال: “كمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”.
ويزار عليه السلام بما ورد في زيارة أئمّة البقيع (ع):
“السلام عليكم أئمّة الهدى، السلام عليكم أهل التقوى، السلام عليكم الحجّة على أهل الدنيا، السلام عليكم القوام في البريّة بالقسط، السلام عليكم أهل الصفوة، السلام عليكم أهل النجوى، أشهد أنّكم قد بلّغتم ونصحتم وصبرتم في ذات الله, وكُذّبتم وأُسيء إليكم فغفرتم، وأشهد أنّكم الأئمّة الراشدون المهديّون، وأنّ طاعتكم مفروضة، وأنّ قولكم الصدق، وأنّكم دعوتم فلم تجابوا وأمرتم فلم تطاعوا، وأنّكم دعائم الدّين وأركان الأرض, ولم تزالوا بعين الله ينسخكم في أصلاب كلّ مطهّر, وينقلكم من أرحام المطهّرات, لم تدنّسكم الجاهليّة الجهلاء, ولم تشرك فيكم فتن الأهواء، طبتم وطاب منشأكم, منَّ بكم علينا ديان الدّين, فجعلكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وجعل صلواتنا عليكم رحمة لنا, وكفّارة لذنوبنا، إذ اختاركم لنا, وطيّب خلقتنا بما منَّ به علينا من ولايتكم، فكنّا عنده مسمّين بعلمكم وبفضلكم, معترفين بتصديقنا إيّاكم، وهذا مقام من أسرف وأخطأ, واستكان وأقرّ بما جنى, ورجا بمقامه الخلاص, وأن يستنقذه بكم مستنقذ الهلكى من الردى. فكونوا لي شفعاء, فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم أهل الدنيا, واتخذوا آيات الله هزواً, واستكبروا عنها، يا من هو ذاكر لا يسهو, ودائم لا يلهو, ومحيط بكلّ شيء، لك المنّ بما وفقتني, وعرّفتني بما ثبّتني عليه، إذ صدّ عنه عبادك, وجحدوا معرفتهم, واستخفّوا بحقّهم, ومالوا إلى سواهم، فكانت المنّة لك ومنك عليّ, مع أقوامٍ خصصتهم بما خصصتني به, فلك الحمد إذ كنت عندك في مقامي مذكوراً مكتوباً, ولا تحرمني ما رجوت ولا تخيّبني فيما دعوت”.
وادع لنفسك بما أحببت ثمّ تصلّي ثمان ركعات إن شاء الله.
فإذا أردت الانصراف فقف على قبورهم وقل: “السلام عليكم أئمّة الهدى ورحمة الله وبركاته، أستودعكم الله. وأقرأ عليكم السلام، آمنّا بالله وبالرسول وبما جئتم به ودللتم عليه، أللهمّ فاكتبنا مع الشاهدين”.
ثمّ ادع الله كثيراً واسأله أن لا يجعله آخر العهد من زيارتهم.