شهر الله و الصوم الأمثل
ورد عن مولانا أبي عبد الله (ع): ” إذا صُمتُم فاحفظوا ألسنتَكم عن الكذب، وغُضُّوا أبصارَكم، ولا تَنازعوا، ولا تَحاسدوا، ولا تَغتَابوا، ولا تُمارُوا، ولا تكذبوا، ولا تُباشروا، ولا تَحالفوا، ولا تَغضبوا ولا تَسابُّوا، ولا تَشاتموا، ولا تَنابزوا، ولا تُجادلوا، ولا تُباذوا، ولا تَظلموا، ولا تَسافهوا، ولا تَزاجروا، ولا تغفلوا عن ذكرِ الله” 1.
وقال مولانا أبو عبد الله (ع) في صحيحة محمد بن مسلم: “لَا يَكُونُ يَوْمُ صَوْمِكَ كَيَوْمِ فِطْرِكَ” 2.
على المؤمنين والمؤمنات أن يعلموا أن الصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو عبادة شاملة تهدف إلى تزكية النفس وتطهير القلب والجوارح، من كل ما يُفسد الصيام. فكما يصوم الإنسان عن الأكل والشرب، يجب أن تصوم جوارحه عن المحرمات والمكروهات، حتى يتحقق الهدف الأسمى للصيام وهو التقوى، قال تعالى: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} 3.
والمقصود من صوم الجوارح باختصار هو امتناع الإنسان عن المعاصي والذنوب بجميع أعضائه، بحيث لا يكون الصيام مجرد امتناع جسدي، بل يرتقي إلى مستوى أسمى يشمل اللسان، والعين، والأذن، واليد، والرجل.
وللتوضيح أكثر نذكر هنا بعض أنواع صوم الجوارح:
1. صوم اللسان، بأن يمتنع الصائم عن الغيبة والنميمة والكلام الفاحش والكذب. وفي مقابل ذلك يلتزم بالذكر وقراءة القرآن والكلام الطيب.
2. صوم العين، بأن يغض البصر عن المحرمات، ويتجنب مشاهدة ما يثير الشهوات أو يُضعف الإيمان.
3. صوم الأذن، بأن لا يستمع إلى ما حرم الله، كالأغاني والغيبة والكلام البذيء، وفي مقابل ذلك يصغي للقرآن الكريم والكلام الطيب والمحاضرات النافعة.
4. صوم اليد، بأن يتجنب إيذاء الآخرين بالضرب أو السرقة أو أي عمل محرم، وفي مقابل ذلك يستخدم اليد في فعل الخير، كالصدقة ومساعدة المحتاجين.
5. صوم الرجل، بأن لا يشي إلى أماكن المعصية أو ما يكون التواجد فيه مقدمة للمعصية، وفي مقابل ذلك يسعى إلى المساجد ومجالس العلم والخير.
أيها الأحبة يمثل صوم الجوارح روحَ الصيام الحقيقية؛ لأنه لا يقتصر على الامتناع عن الطعام والشراب، بل يمتد ليشمل كل تصرفات المؤمن، ليكون بذلك أكثر قربًا من الله تعالى، وأرقى في تعامله مع الناس. لذا علينا جميعا أن نحرص على أن يكون صيامنا صيامًا حقيقيًا، تتشارك فيه الجوارح مع الجسد، ليحقق الصوم غايته العظمى في إصلاح النَّفس وتهذيب الأخلاق.
نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا بما يعين به الصالحين على أنفسهم إنه سميع مجيب.
الشيخ عباس الناصري
ليلة الثالث من شهر رمضان المبارك 1446هج
……………………..
1. وسائل الشيعة/ ج 10 ص 166.
2. وسائل الشيعة/ ج 10 ص 161.
3. البقرة/ 183.