الشيخ محمد علي بن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم الحلي، ينتهي نسبه إلى مالك بن الأوس، ويلقب باليعقوبي نسبة إلى أبيه، ولد في النجف الأشرف في شهر رمضان سنة (1313هـ)، ونشأ برعاية والده الخطيب التقي، والواعظ الشهير، وقرأ القرآن الكريم على يد السيد سليمان وتوت، وكان عندما يختار له والده القصيدة يحفظها، وينشدها في الجامع الذي يصلي فيه الإمام العلامة السيد محمد القزويني، بمحضر من المصلين، وكان السيد يغمره بألطافه، ويفيض عليه من علمه، وأدبه الجم وأخلاقه العالية، حتى قال فيه اليعقوبي:
أفـضّل استاذي عـلى فضل والدي وإن نالني من والدي الفضل والشرف
فذاك مربي الروح، والروح جوهر وهذا مربي الجسم والجسم من صدف
درس اليعقوبي على الشيخ محمد حسن أبي المحاسن وتخرج عليه، ثم هاجر إلى السماوة, وارتقى في الخطابة, وبعدها انتقل إلى الحيرة, فمكث بها إلى (1923م)، واشتهر في المدن العراقية, وصار لمنبره وزن كبير, ولشخصيته مكانة في النفوس, لما امتاز به من غزارة العلم, وجمال الأدب, ورقّة الطبع, ونقاء السريرة، وهو يقول في ذلك:
أأرتاح بالكرسي مزدهياً به وتهتزّ من شوقٍ إليّ المنابرُ ؟
كان الشيخ اليعقوبي عالماً جليلاً، وباحثاً كبيراً، أجازه كبار العلماء منهم الحجة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، والحجة الشيخ آقا بزرك الطهراني، والحجة السيد صدر الدين الصدر الكاظمي، والعلامة السيد حسين القزويني الحائري، والعلامة السيد هبة الدين الشهرستاني، فكان لسان علماء الدين الأعلام، وصوتهم المدوي فوق المنابر.
خلّف العلامة اليعقوبي مجموعة من المؤلفات العلمية، والأدبية، والتاريخية، التي تشهد بتتبعه العلمي، والأدبي، وتعمقه في البحث، والتحقيق منها: (عنوان المصائب في مقتل الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام))، و(المقصورة العلية) وهي قصيدة تناهز الـ(450) بيتاً في سيرة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و(الذخائر) ديوان شعر خاص يتضمن ما قاله في أهل البيت (عليهم السلام)، مدحاً ورثاء، و(البابليات) وهو موسوعة أدبية تاريخية، تقع في أربعة أجزاء تبحث في شعراء الحلة الفيحاء، وأدبائها، وبيوتها العلمية والأدبية، وأهم حوادثها التاريخية، منذ تأسيسها حتى العصر الحاضر، و(ديوان جهاد المغرب العربي) وقد أصدرته جمعية الرابطة الأدبية تضمن ما قاله عميدها (اليعقوبي) في جهاد المغرب العربي، و(الجعفريات) وهو مجموعة شعرية تضم ما قاله السيد ميرزا جعفر القزويني في رثاء أهل البيت (عليهم السلام)، و(ديوان الشيخ عبد الحسين شكر)، و(ديوان الشيخ عباس الملا علي)، و(ديوان الشيخ يعقوب الحاج جعفر) (والده)، و(ديوان الشيخ محمد حسن أبو المحاسن) شاعر العراق في عصره، وأحد كبار رجال الثورة العراقية، و(ديوان الشيخ صالح الكواز)، و(ديوان الحاج حسن القيم الحلي)، و(نقد كتاب شعراء الحلة)، بالإضافة إلى الكثير من الآثار المطبوعة والمخطوطة.
تميّز شعره بجزالة اللفظ وعمق الفكرة وجمال الصورة، كما ضمّن شعره أحاديث نبوية في الإمام المهدي (عليه السلام)، فقال في ولادة الإمام (عليه السلام) في قصيدة القاها عام (1350هـ):
الـيومَ طيرُ الهُدى بالبِشرِ قد صَدَها إذ نالَ في مولدِ المهديِّ ما آقتَرَحا
الـيومَ قـد خَـتَمَ اللهُ الـعظيمُ بِـهِ مَـن فـيهِمُ بَـدأ الإيجادَ وافتَتَحا
الـيومَ قـد عَـبّق الأقـطارَ قاطبةً شَـذىً مِن العالَمِ القُدسيِّ قد نَفحا
يـا لـيلةَ الـنِّصفِ مِـن شعبانَ قد نَعُمَت عـينُ الـعُلى فيكِ واختالَ الهدى مَرَحا
سـعـدتِ إذ لاحَ نــورُ اللهِ فـيكِ، فـما بدرُ السما مُشرِقاً.. ما الشمسُ رأْدُ ضُحى
بِـطِـيبِ ذِكــرِكِ تـرتاحُ الـنفوسُ إذا مـا مَـرّ يـوماً على الأسماعِ أو سَنَحا
أضـحت ريـاضُ الأمـاني فـيكِ زاهرةً لَـمّا سـقاها سَـحابُ الـلُّطفِ مُنْدَلِحا
وقال يشرح واقعة الطف، وبها يستنهض الإمام المهدي (عليه السلام):
واشحذ حسامك طالباً بتراتكم إنّ الترات بها الحسام ضمينُ
في فتية فوق الجياد كأنّهم أسد ولكنّ الرماح عرينُ
هلاّ تهزّك للنهوض رَزِيَّةٌ بالطف هزّ لوقعها التكوينُ
تغضي جفونك والحسين بكربلا أوصاله لشبا السيوف جفونُ
وتذوق عيناك الرقاد وصدره منه تفجّر بالنجيع عيونُ
وكان وطنيا غيوراً على مصالح شعبه, وقضايا أمته, وشاعرا ثائراً، فيقول:
يا أيها الـــنواب صونوا شعبكم بالاتـــحاد وبالحجى والبـــاسِ
الموصل الحدباء رأس بلادكم والجسم يفنى بعد قطع الراسِ
وعندما ثار العراق في وجه الاحتلال الإنكليزي عام (1941م), نظم اليعقوبي قصيدته اليائية التي مطلعها :
بالشعب قد عاثت يد عادية فجددوها نهضة ثانية
واستقبلوا الأعداء في وقفة فيها نعيد الوقفة الماضية
كان اليعقوبي خطيباً مفوهاً، موسوعياً، يأخذ بالمسامع والقلوب، ويشد الحضور إليه، فأسس ثقافة منبرية واعية، ومدرسة فكرية استطاعت أن تنجب الكثير من الخطباء الأعلام الذين تتلمذوا على يديه منهم: الأستاذ محمد جواد الغبان، والأستاذ هادي محي الخفاجي، والأستاذ عبد الغني الحبوبي، والشيخ أحمد حسون الوائلي وغيرهم، حتى قال فيه شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري:
إن (ابن يعقوب) شقيق الندى جاء إلى الناس بسحر البيان
علمهم كيف القوافي تشاد وكيف أبكار المعاني تصان
إن شاء فالنثر سقيط الندى أو شاء فالنظم عقود الجمان
وأثنى عليه نخبة من أجلّة العلماء والمفكرين منهم العلامة الدكتور حسين علي محفوظ، والشاعر الكبير السيد محمود الحبوبي، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الذي قال فيه:
طبت أبا موسى خطيباً لنا تحضي للدين وأحكامه
وداعياً تدعو لدين الهدى وبرئه من جل أسقامه
في فجر يوم الأحد 21 جمادي الثانية 1385 هـ الموافق 17 ـ 10 ـ 1965م، سكت هذا اللسان الفصيح، وانطفأ هذا الشعاع المشرق، فشيع في محفل مهيب يتقدمه العلماء، والأعيان، إلى مثواه الأخير في النجف الأشرف، ولكنه ظل كما يصف حاله:
ما مات من حب الحسين بقلبه
بل كان بعد الموت في الاحياء
طوبى لمن عشق الحسين وعمره
وقف لخدمة سيد الشهداء
لروحه الفاتحة والرضوان
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية