كان الإمام زين العابدين (ع) من أعظم الناس حلماً، وأكظمهم للغيظ، فمن صور حلمه التي رواها المؤرّخون:
أنه كانت له جارية تسكب على يديه الماء إذا أراد الوضوء للصلاة، فسقط الإبريق من يدها على وجهه الشريف فشجّه، فبادرت الجارية قائلة: إنّ الله عزّوجلّ يقول: والكاظمين الغيظ وأسرع الإمام قائلاً: “كظمت غيظي”، وطمعت الجارية في حلم الإمام ونبله، فراحت تطلب منه المزيد قائلة: (والعافين عن الناس) فقال الإمام عليه السلام: “عفا الله عنك”، ثمّ قالت: (والله يحبّ المحسنين) فقال عليه السلام لها: “إذهبي فأنت حرة”.
و سبّه لئيمٌ فأشاح عليه السلام بوجهه عنه، فقال له اللئيم: إيّاك أعني… وأسرع الإمام قائلاً: “وعنك اُغضي…” وتركه الإمام ولم يقابله بالمثل.
ومن عظيم حلمه عليه السلام: أنّ رجلاً افترى عليه وبالغ في سبّه، فقال عليه السلام له: “إن كُنّا كما قلت فنستغفر الله، وإن لم نكن كما قلت فغفر الله لك”.
وأجمع المؤرِّخون على أنّه كان من أسخى الناس وأنداهم كفّاً، وأبرَّهم بالفقراء والضعفاء، وقد نقلوا نوادر كثيرة من فيض جوده، منها: مرض محمّد بن اُسامة فعاده الإمام عليه السلام، ولمّا استقرّ به المجلس أجهش محمّد بالبكاء، فقال له الإمام عليه السلام: ما يبكيك؟ فقال: عليّ دين، فقال له الإمام: كم هو؟ فأجاب: خمسة عشر ألف دينار، فقال له الإمام عليه السلام: هي عليّ، ولم يقم الإمام من مجلسه حتى دفعها له. ومن كرمه وسخائه أنّه كان يطعم الناس إطعاماً عامّاً في كلّ يوم، وذلك في وقت الظهر في داره.
وكان يعول مائة بيت في السرّ، وكان في كلّ بيت جماعة من الناس. وكان عليه السلام يحتفي بالفقراء ويرعى عواطفهم ومشاعرهم، فكان إذا أعطى سائلاً قبّله، حتى لا يُرى عليه أثر الذلّ والحاجة، وكان إذا قصده سائل رحّب به وقال له: “مرحباً بمن يحمل زادي إلى دار الآخرة. و كان عليه السلام كثير العطف والحنان على الفقراء والمساكين، وكان يعجبه أن يحضر على مائدة طعامه اليتامى والأضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، كما كان يحمل لهم الطعام أو الحطب على ظهره حتى يأتي باباً من أبوابهم فيناولهم إيّاه. وبلغ من مراعاته لجانب الفقراء والعطف عليهم أنّه كره اجتذاذ النخل في الليل، وذلك لعدم حضور الفقراء في هذا الوقت فيحرمون من العطاء، فقد قال عليه السلام لقهرمانه وقد جذّ نخلاً له من آخر الليل: لا تفعل، ألا تعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن الحصاد والجذاذ بالليل؟!”. وكان يقول: الضغث تعطيه من يسأل فذلك حقه يوم حصاده.