ذكر المؤرّخون والرواة صوراً رائعة ومذهلة من زهد الإمام عليه السلام كان منها ما يأتي:
١ ـ لباسه عليه السلام:
لم يعتن الإمام عليه السلام بلباسه، وإنّما كان يلبس أخشن الثياب، وليس عنده من الثياب غير الثوب الذي عليه… كل ذلك اعراضاً منه عن زهرة الحياة الدنيا وزهده بها ومواساة منه للفقراء … وهذه بعض البوادر التي حكيت عنه:
أ ـ منها: انه خرج إلى الناس وعليه إزار مرقوع فعوتب في لبسه فقال عليه السلام: «يخشع القلب بلبسه ويقتدي به المؤمن إذا رآه». (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول لمحمد بن طلحة الشافعي: ص184).
ب ـ روى أبو إسحاق السبيعي، قال: كنت على عنق أبي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب يخطب، وهو يتروّح بكمّه، فقلت: يا أبه، أمير المؤمنين يجد الحرّ؟ فقال: لا يجد حرّاً ولا برداً، ولكنّه غسل قميصه وهو رطب، ولا له غيره فهو يتروّح به. (الغارات لابراهيم الثقفي الكوفي: ج1، ص99).
ج ـ روى عليّ بن الأقمر قال: رأيت عليّاً وهو يبيع سيفاً له في السوق ويقول: «من يشتري منّي هذا السّيف، فوالّذي فلق الحبّة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته». (ذخائر العقبى لأحمد الطبري: ص 18).
هذه بعض البوادر من زهده في لباسه وكم نحن اليوم بحاجة إلى الاقتداء بسيرته ونبذ مظاهر الإسراف المتفشية في مجتمعاتنا.
٢ ـ طعامه عليه السلام:
وامتنع الإمام عليه السلام من تناول ألوان الأطعمة، واقتصر على ما يسدّ الرمق من الأطعمة البسيطة كالخبز والملح، وربّما تعدّاه إلى اللبن أو الخلّ، وكان في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يربط الحجر على بطنه من الجوع. (بحار الأنوار للمجلسي: ج16، ص227). وكان قليل التناول للحم، وقد قال: «لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان». (ينابيع المودة للقندوزي: ج1، ص452).
ويروي لنا سويد بن غفلة صورة من زهده عليه السلام حيث يقول: دخلت على عليّ بن أبي طالب عليه السلام القصر فوجدته جالساً بين يديه صحفة فيها لبن حازر(اللبن الحامض جداً) أجد ريحه من شدّة حموضته وفي يده رغيف أرى قشار الشعير في وجهه وهو يكسّر بيده أحياناً فإذا غلبه كسّره بركبته فطرحه فيه، فقال: «ادن فأصب من طعامنا هذا»، فقلت: إنّي صائم فقال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من منعه الصوم عن طعام يشتهيه كان حقّاً على الله أن يطعمه من طعام الجنّة ويسقيه من رابها»، قال: فقلت لجاريته وهي قائمة بقريب منه: ويحكِ يا فضّة ألا تتّقين الله في هذا الشيخ ألا تنخلون له طعاماً ممّا أرى فيه من النخالة؟
فقالت: لقد تقدّم إلينا أن لا ننخل له طعاماً، قال عليه السلام: «ما قلت لها؟», فأخبرته، فقال: «بأبي أنت وأمّي من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز البرّ ثلاثة أيّام حتّى قبضه الله عزّ وجل (يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم). (كشف الغمة للأربلي: ص24 والمناقب لابن شهر اشوب: ص71).
ومن المؤكّد أنّ الإمام عليه السلام لم ينل من أطائب الطعام حتى وافاه الأجل المحتوم، فقد أفطر في آخر يوم من حياته في شهر رمضان على خبز وجريش ملح، وأمر برفع اللبن الذي قدّمته له بنته الزكية أمّ كلثوم (منتهى الآمال للقمي: ج1، ص334)، وهو في نفس الوقت كان يدعو اليتامى فيطعمهم العسل حتى قال بعض أصحابه: وددت أنّي كنت يتيماً. (بحار الأنوار للمجلسي: ج41، ص29).
شجاعته عليه السلام:
من مظاهر شخصيّة الإمام عليه السلام شجاعته النادرة التي صارت مضرب الأمثال وأنشودة الأبطال في كلّ زمان ومكان، فهو بطل الإسلام دون منازع، لا يعرف المسلمون سيفاً كسيف عليّ عليه السلام في إطاحته لرؤوس المشركين وأعلام الملحدين، ومواقفه المشرّفة في واقعة بدر وأحد والأحزاب وغيرها تدلّل بوضوح على أنّ الإسلام قام بجهوده وجهاده، ولولا جهاده وقوّة بأسه وصلابة موقفه لما قام الإسلام ولقضت عليه قريش في أوّل بزوغ نوره، وقد شاعت في جميع الأوساط شجاعته، وراح الناس يتحدّثون عنها بإعجاب، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ أفرس النّاس عليّ بن أبي طالب عليه السلام». (رسائل الجاحظ لابن بحر البصري: ج2، ص222).
فقد وهب الله تعالى للإمام عليه السلام قوّة جسدية هائلة، وقوّة نفسية مذهلة، استطاع بهما أن يلحق العار والهزيمة بالذين يريدون إخماد نور الإسلام، ومن قوّته أنّه إذا أمسك بذراع رجل كأنّما أمسك نفسه، ولم يستطع أن يتنفّس.