كثير من الأمور المهمة بيّنها المرجع اليعقوبي ومن أهمها مسألة الاستعداد للظهور المبارك (توقعوا الفرج صباحاً ومساءً)[1] والمقدمات الصحيحة التي تقود المؤمن إلى وضوح الرؤية في تشخيص الحركة المهدوية واتبّاع قائدها (عليه السلام) …
على رأس هذه المقدمات: الإخلاص لله تعالى واتباع القيادة النائبة الحقة وطاعتها
أوضح المرجع اليعقوبي أن الإخلاص لله تعالى وسحق والأنانية ورفض اتباع الهوى تقود إلى الكون في معسكر الإمام المهدي (عليه السلام) ونصرته: “إنَّ إحراز رضا الإمام (عليه السلام) عنك وضمان ثباتك على نهجه والانضمام إلى أنصاره قبل الظهور وبعده يكون بالإخلاص لله تبارك وتعالى والصدق في إتباع الحجة المنصوبة من الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) على الأمة قال تعالى (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً) (النساء/69) ومثل هؤلاء ليطمأنوا وليهدأ بالهم لأن الأمور ستكون واضحة عندهم وسوف لا يتوانون في نصرة الإمام وإتباعه، ولمثل هؤلاء سيكون الأمر أبين من الشمس كما وصف الإمام (عليه السلام).”[2]
وحذر سماحته الذين يحكمون أهواءهم ويتبعونها والمتضخمة أنانياتهم وأصبح جل همهم التشكيك والتردد أن هذه الأمراض ستحجب عنهم الحقيقة وتمنع الرؤية الواضحة للحركة المهدوية:
أما المتبعون للأهواء الذين ينعقون مع كل ناعق والذين تضخمت أنانيتهم فصاروا يشكّكون ويستشكلون ويتردّدون ويرون لأنفسهم علواً وحاكميةً على الآخرين، فإنهم ستزِلُّ أقدامهم ويقعون في وادٍ سحيق، لأن إتِّباع الهوى والتعصب والأنانية يحجب الحقيقة ويمنع الرؤية الواضحة وإن كان المرئي أبين من الشمس، فلينظر كل إنسان لنفسه وليتثبت من موطئ قدمه وبوصلة مسيرته.إنّ هؤلاء المتردّدين والمشكّكين والمتخاذلين والمتقاعسين كانوا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأدخلوا أذىً كثيراً على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانوا يتمرّدون على أوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعليماته.
وهم الذين أوهنوا دولة أمير المؤمنين (عليه السلام) والإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) حتّى سلّموها لقمة سائغة إلى معاوية وصبيان بني أمية، فاحذروا أن تكونوا أمثالهم والعياذ بالله”[3]
طالما أكد سماحته في مؤلفاته وكلماته على الطاعة وحذر من المتمرد الذي يؤدي إلى الخلاف والتنازع ومن ثم إلى الفشل، ففي كلمة له ذكرها في كتابه القيم (الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين) قال سماحته:
ونحاول أن نستعرض الآن بعض النماذج الرسالية الفذة التي تربَّت في أحضان النبوة الكاملة، لنرى الأثر العظيم الذي أحدثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مجتمعه وسوف لا نذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) والزهراء (عليها السلام) النموذجين الكاملين لهذه التربية، لأن لهم موضوعهم الخاص من الكلام التفصيلي في كتاب (دور الأئمة في الحياة الاسلامية) ونتطرق إلى نماذج أخرى:
“خرج المسلمون للقاء الفرس في معركة الجسر، وكان على الجيش أبو عبيد الثقفي والد المختار، ومعه من عيون الصحابة ثابت بن قيس بن شماس المعروف بخطيب الأنصار، ولما وصلوا إلى الجسر حيث يعسكر الفرس في الجبهة الأخرى من النهر استشارهم القائد فيما يفعل، فأشار ثابت بعدم العبور لتبقى الصحراء من خلفهم ملاذاً إن كانت الواقعة للفرس، وإن إنتصروا عبروا بسلام، أما إذا عبروا للفرس فسيكون العدو من أمامهم والنهر من خلفهم، لكن أبا عبيد أمر بالعبور، وقال: إننا ما جئنا لنطلب النجاة، بل أحد الحسنين: إما النصر، أو، الشهادة؛ وأمر ثابتاً أن يكون أول من يعبر، فعبر ثابت وعبر أبو عبيد والمسلمون، ودارت الدائرة عليهم، واستشهد أبو عبيد، واستشهد ثابت، ليعطينا درساً في الطاعة المطلقة للقائد، وإن كان مخالفاً له في الرأي، فإن أي خلاف معه يؤدي إلى الإختلاف والتنازع، وهما منشأ الفتن والإضمحلال والزوال، وعَوَّضهم الله تعالى على صبرهم ووعيهم بعد فترة وجيزة بنصر مؤزر في القادسية، وفتح لهم بلاد فارس كلها”[4].
هذا التركيز من سماحته كان في أوائل تصديه لقيادة الحركة الإسلامية وكان وقتها يقوم بتعبئة القواعد المؤمنة للمواجهة الحضارية الفاصلة ويزودها بكل ما تحتاجه للثبات وأداء التكليف، وجاء هذا التركيز في كتاب قيم ومهم جداً قال فيه وفي كتابين آخرين:
“أرشدكم إلى ثلاثة كتب تنفعكم في عملكم الرسالي ألفتها وأودعت فيها خلاصة فهمي للمسيرة الإصلاحية لنبيّنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين (عليه السلام) من بعده وهي (الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين) و(دور الأئمة في الحياة الإسلامية) و(شكوى القرآن) … .”
وقد سبق هذه العبارة كلمة مهمة لسماحته حيث أوضح صعوبة المواجهة وما سيعتري القواعد المؤمنة من صعوبات وأوضح كيف يمكن تجاوزها حيث قال:
“سوف تعترض عملكم عقبات وأشواك والذي يهوّن الخطب عليكم أنها حالة طبيعية واجهها كل الأنبياء والرسل والمصلحين وتستطيعون التغلب عليها بإخلاصكم لله تبارك وتعالى وبالصبر وبالحفاظ على وحدتكم وإلفتكم وعدم السماح لاختلاف وجهات النظر بينكم في أن تكون سبباً للخلاف بينكم”[5]
ومما يجب أن نعيه أن تشخيص القيادة الرسالية سواء كانت المعصومة في زمن الحضور أو القيادة النائبة في زمن الغيبة ومعرفتها ليس دليلاً على أنك ستكون في معسكرها ومن أنصارها فكم من شخص كان يعرف الأئمة المعصومين (عليهم السلام) واحقيتهم إلا أنه حاربهم ووقف في وجههم وأوضح مثال “الزبير بن العوام ابن عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وابن أخ خديجة الكبرى ومن السابقين للإسلام في أوائل الدعوة الإسلامية في مكة حيث تحمّل آذى قريش ثم هاجر إلى المدينة وشارك في بدر وأحد وأبلى بلاء حسناً وله في معركة الخندق موقف جليل حين انبرى إلى الفارس من قريش الذي وقع في الخندق حينما حاول مع عمرو بن عبد ود العامري عبوره وطلب من يبارزه في الخندق فنزل إليه الزبير وقتله.
ثم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من المدافعين عن بيت علي وفاطمة (صلوات الله عليهما) حتى كسر سيفه، وكان من الستة أهل الشورى وأعطى صوته لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، هذا التاريخ المشرف الذي لا يرقى إليه الكثيرون انهار حين بايعت الأمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وانصرفت عنه الخلافة التي كان يحلم أن تصير إليه بعد مقتل الخليفة الثالث، حيث كان يحرّض هو وزميلاه على الخليفة، وقد أفسدت الدنيا التي انفتحت على المسلمين قلوب الكثير من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (حب الدنيا رأس كل خطيئة) حتى ترك أحدهم من الذهب ما يُكسَر بالفؤوس.
الزبير صاحب هذا التاريخ وهذه المواقف الجليلة يقود حرباً على أمير المؤمنين الإمام الحق والزبير يعرفه أكثر من غيره، وأزهقت أرواح الآلاف من المسلمين، وذكّره أمير المؤمنين بكلمات سمعاها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حق أمير المؤمنين فرجع عن القتال ولكن بعد أن أنشبت المنية أظفارها، ثم اغتيل من قبل أحد الجنود في جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) ولما جاءه قاتله بسيفه قبّله أمير المؤمنين وقال: سيف طالما كشف الكرب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال (عليه السلام) لقاتله: بشر قاتل ابن صفية – وهو الزبير – بالنار”[6]
ولتأكيد ما تقدم جاء “في الدعاء (اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه) أي أننا نسأل الله تعالى أولاً أن يعرّفنا الحق لان أهل الدنيا يخلطون الأوراق فتشتبه الأمور ثم نطلب ثانياً أن يرزقنا إتباعه، لأنه ليس كل من عرف الحق اتبعه فإن قوماً وصفهم الله تبارك وتعالى بقوله [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً] (النمل:14).”[7]
هذه الكلمات في هذا المنشور أذكر بها نفسي أولاً ومن ثم جميع المؤمنين فعلينا أن نكون في حذر وخوف دائم من سوء العاقبة ولا تغرنا المعرفة اليسيرة التي نملكها ولا العناوين الدنيوية الزائلة ولا كثرة المصفقين والمادحين فتتضخم الأنا عندنا وحذارِ أن نكون من أصحاب التنازع والخلاف ومن المترددين والمشككين والمتقاعسين ومن المثبطين والمنفرين وممن يؤلمون قلب القيادة المعصومة وقلب القيادة النائبة …
لنكن على حذر دائم وخوف دائم وبكاء دائم ونطلب من الله تعالى أن لا يكلنا إلى أنفسنا طرقة عين أبدا ونطلب منه التوفيق وحسن العاقبة فإنا لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة، لا يتيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت[8].
( اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية )
المصادرــــــــ
[1] الغيبة للنعماني ج1 ص163 الحديث مروي عن الإمام الصادق (عليه السلام).
[2] خطاب المرحلة ج8 ص13.
[3] المصدر نفسه.
[4] الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين ص27.
[5] خطاب المرحلة ج5 ص353.
[6] خطاب المرحلة ج5 ص182.
[7] المصدر نفسه ص365.
[8] ميزان الحكمة ج١ ص٧٢٤.
محمد النجفي
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية