أحدث الشهيد الصدر الثاني (رضوان الله عليه) زلزالاً حركياً أسميناه في كتابات سابقة بـ(زلزال آخر القرن) ليمثل بذلك بآلياته الجديدة (ظاهرة العقد الأخير) من القرن العشرين على مستوى العمل الإسلامي بلا منازع..
وقد تميزت حركته المباركة بعدة استهدافات لظواهر سلبية أكد على نبذها؛ وسعى إلى نبذها عملياً، فضلاً عن لفظياً وبمختلف الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والحركية..
ونضع أمامكم أبرز ما يخص الجانب الحركي من تلك الظواهر المستهدفة..
أولها:-
ظاهرة (الأمر من أعلى الجبل) ونعنى بها عدم نزول المبلغ الديني بمختلف مراتبه إلى الخطاب المباشر مع الجماهير.. وهو من أسباب ضعف الوعي الديني حيث لم يجد الناس الواعظ بينهم في أغلب الأحوال، فكان أثر الخطاب عن بعد أثراً ضعيفاً؛ حيث قل الاستفتاء المباشر والخطاب المباشر والتدخل المباشر لحل مشاكل المجتمع؛ مما ولد هو وأسباب أخرى ظاهرة أخرى يمكن أن نسميها بـ ظاهرة(التقديس المفرط) وهي ظاهرة قد تمثل سبباً لما مر وقد تكون مسبباً أيضاً وهو (تبادل سببي) يمكن أن يكون في الأمور الاجتماعية على ما نعتقد..
وعلى كل حال فقد أكد السيد الشهيد على خطورة الوقوع بمحذور الإفراط بتقديس طلاب العلوم الدينية ولك برفضه لتقبيل اليد أوضح مثال.. وبعيداً عن الهدف الأخلاقي والنفسي الذي لا يخفى يبدو أنه أراد أن يرسل عدة رسائل من خلال هذا الرفض؛ منها ما هو لرجل الدين: بأن مسؤوليتك تحتم عليك أن تكون معهم ومنهم؛ ومنها ما هو للجماهير: بأن مقياس التقديس ليس قياساً ظاهرياً وحسب.. فانظروا إلى أثر المقدس قبل أن يقدس.
مع ملاحظة أن عنوان طالب العلم مقدس بلا كلام؛ وفي ما ذكرناه تأمل وكلام فهناك من المقدسات ما له ذلك دون النظر لما ذكرنا من أثر..
ومن الظواهر التي استهدفتها حركة الشهيد الصدر الثاني
ظاهرة( تحكم حواشي وأبناء المراجع)
حيث كان يذكر أن من أسباب قصور النظام الحوزوي وجود الحواشي المتبعين لأهوائهم بنسبة ليست بالقليلة؛ كما وأكد على أن إدارة شؤون الحوزة لابد أن تكون للمجتهد ولا مبرر شرعي ولا عقلي لسيطرة بعض أبناء المراجع على بعض المؤسسات ليضع يده بذلك على مشكلة تنظيمية كبيرة كانت ومازالت تقع عبر التاريخ..
ومن الظواهر التي وضع يده عليها
ظاهرة (عليكم أنفسكم)
حيث تفشت كثقافة مجتمعية آنذاك لتؤسس (لموت سريري) أصاب شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر…
وقد أكد على تشخيص الحالة ونبذها وسعى لإيجاد ظاهرة مضادة تؤسس لمسؤولية الجميع تجاه الدين والمذهب وهو ما ترجم فيما بعد بالكلمة المعروفة اليوم (الإسلام محتاج إلى جميع أبنائه) وهي تمثل الامتداد الطبيعي لفكر مدرسة الشهيد الصدر حركياً..
ومن الظواهر المهمة التي شخصها الشهيد الصدر هي
ظاهرة (التيه الديني) حيث لاحظ أن المجتمع يمر بفترة تيه وابتعاد قيمي؛ فوضع أو لنقل أكد على إيجاد علاجين لإنهاء هذا التيه:-
الأول: إرجاع الناس لقيادة شرعية تخرجها من هذا التيه وهي المرجعية الدينية.
الثاني: إيجاد (التواصل الأسبوعي الواجب) فلاحظ أن تواصل الناس مع المسجد وصلاة الجماعة ومع الرمز الديني يندرج تحت الاستحباب لا غير؛ وهذا ما استمر لقرون؛ فأكد على ضرورة تواصل أسبوعي يكون على نحو واجب وهو (صلاة الجمعة)، فكان الأثر البالغ الذي أوصى بالاستمرار على مؤثره حينما قال (استمروا على صلاة الجمعة)..
ومن الظواهر التي وضع يده عليها هي
ظاهرة (محدودية الدرس الحوزوي) فمن الواضح جداً عدم موسوعية الدرس الحوزوي؛ ومسوغ المدافعين عن هذه المحدودية هو أن الاختصاص يحتم ذلك ولذلك ترى ذلك في المجالات الأخرى أيضاً.. فسعى السيد الصدر للخروج من هذه المحدودية ولو بشكل نسبي وكان هذا أحد أهداف تأسيس جامعة الصدر الدينية.
وأخيراً نقول أن تشخيص العلل الحركية ليس صعباً لكن التصدي للعلاج هو الصعب المستصعب لعدة عوامل لا يسع المقام لذكرها هنا..
فرحم الله الشهيد الصدر يوم ولد؛ ويوم سعى؛ ويوم استشهد ملتحقاً بركب أجداده الكرام.
الشيخ حازم الشحماني
أيام الذكرى الخامسة والعشرين للاستشهاد
2023/5/24
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية