صدح التاريخ، لينبؤنا عن ولادة سيد الخلق محمد (عليه وآله الصلاة والسلام) في عام الفيل، ويغيّب مناقب أجداد النبي، فقد سجّل عام الفيل منقبة عظيمة لعبد المطلب، لم يصلنا منها سوى القليل الذي لا يغني ولا يُسمن، فهذا العام في حقيقته التي لا يعلمها إلّا الخاصة من أصحاب العلم والإطّلاعات هو عام آل هاشم.
لنفتح صفحات التاريخ المغيّبة، ولنبدأ بقصة الفيل.
فهذا العام شهد حادثة مهمة في تاريخ العرب، ألا وهي حادثة هجوم جيش حاكم اليمن المسمّى أبرهة الأشرم على الكعبة المشرفة، وهنا السؤال
ما سبب هذا الهجوم؟.
فقد نقلت الأخبار، أن أبرهة بعد التسلط على اليمن بنى كنيسة في منطقة صنعاء باسم قليس، وكتب في رسالة إلى حاكم الحبشة: “أنني بنيت كنيسة لم أرَ قبل اليوم مثيلا لها، وسوف آتي بزوار الكعبة إليها بعد الإنهاء من عملها”.[1]
وانتشر هذا الكلام انتشار الهشيم بين العرب، فقد ورد في كتب التاريخ “بعد نشر مضمون هذه الرسالة بين العرب قام رجل من بني فقيم بتلويث الكنيسة بالقاذورات، جعل أبرهة هذا الأمر ذريعة لتخريب الكعبة ثم هيأ جيشاً كبيراً مع 14 فيلا”. [2]
وبناءً على ما جرى أرسل أبرهة رسالة إلى عبد المطلب رئيس قريش، قائلاً فيها: «جئت لهدم الكعبة فحسب وما أتيت حتّى أقتل شخصاً».[3]
ما زلت اقلّب صفحات التاريخ، وإذا بي أتوقف عند موقف عبد المطلب من ذلك التهديد، الذي اكتفى التاريخ بكشفه للعامة، وحيث أن أبرهة لم يكتفِ بالتهديد، بل وصل إلى مصادرة نوق عبد المطلب من قِبل جيش أبرهة.
فالتاريخ ينقل لنا ذهاب عبدالمطلب لزيارة أبرهة وطلبه منه أن يرجع 200 من إبله.
وهو موقف تعجّب أبرهة لينقل التاريخ قوله لعبد المطلب، عندما طالبه بالنوق: «مع كل هذه العظمة التي كنّا نعرف منك كيف طلبت منّي هذا الطلب البسيط؟، وقد رأيتني قاصداً هدم الكعبة التي تقدسها أنت وابائك!».[4]
فأجابه عبدالمطلب: “اأا ربّ الابل وللبيت ربّ يمنعه”[5]، فقال أبرهة متبختراً: «ليس هناك أحد يمنعني عن الوصول إلى هدفي» ثم أمر بإرجاع نياقه.[6]
ومن هنا يتضح إن عبد المطلب جد النبي، وكافله، كان مؤمناً وموقفه هذا يشهد له، ولكن ماذا عسانا أن نفعل بتاريخ يصر البعض على تغييبه محاولاً بذلك التغييب أن ينفي إيمان أجداد النبي الأكرم ( صلوات الله عليه وآله)، ولكن خسئوا.
شغفني ذلك التاريخ، فاستمريت بتقليب صفحاته وها أنا اقف متعجبة من حكمة عبد المطلب التي ينقلها لنا التاريخ ”فبعد أن أخذ عبد المطلب الإبل رجع إلى قريش وأخبرهم بنية أبرهة، وأنه يُريد الهجوم على الكعبة، فأمرهم أن يخرجوا من مكة ويلجئوا إلى الجبل”.[7]
فجمع عبد المطلب وُلده و من معه، ثمّ جاء إلى باب الكعبة، فتعلّق به وقال: ”يـا ربّ انّ العبد يمنع رحْلَهُ فامنع رحالك، لا يغلبنَّ صليبهم ومحالهم أبدا محالك“.[8]
إي إيمانٍ تحمل يا عبد المطلب، وإي حكمة وهبك الله إياها، كيف لا وهو الذي سيكفل النبي في أوّل حياته، عجباً لإناسٍ رأوكَ مشركاً
ولنعد للتاريخ، لنرى أثر عقيدة كافل النبي في أعداء الله فقد نقل التاريخ عن تحرك الجيش وكان أثر تحرك جيش أبرهة باتجاه الكعبة، أرسل الله تعالى طيراً من السماء باسم أبابيل وهي تحمل حصاة من منقارها لتهلك أعداء البيت. وبعد «عام الفيل» حظيت قريش بمنزلة كريمة عند العرب.
ذكر فخر الرازى عن عكرمة عن ابن عباس وسعيد بن جبير: «لماأرسل الله الحجارة على أصحاب الفيل لم يقع حجر على أحد منهم إلا نفط جلده وثار به الجدرى » [9].
هناك نقل آخر من ابن عباس حول ما وقع بعد إصابتهم بالحصاة… «فما بقى أحد منهم إلا أخذته الحكة، فكان لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه»[10]، “فجعلت ترميهم بها حتى جدرت أجسادهم فقتلهم بها وما كان قبل ذلك رؤى شيىء من الجدرى، ولارؤا ذلك من الطير قبل ذلك اليوم ولا بعده”. [11]
فهذه الحادثة المهمة التي أرهبت العرب من جيش أبرهة بإستثناء أجداد النبي الأكرم، إتخذها العرب بداية لتأريخهم وسمي العام بعام الفيل نسبة لتلك الحادثة ولهذا عدوا السنة الأولى من حياة النبي ضمن عام الفيل، حيث اشتهر انها حدثت ما بين عامي ( 568 و569 م) “ومولد النبي (صلوات الله عليه وآله) بعد شهرين وسبعة عشر يوماً من هذه الحادثة” [12].
فعام الفيل لم يكن عاماً كبقية الأعوام، بل كان عام مناقب آل هاشم بمواقف تشهد بإيمانهم فاختار الله هذا العام لولادة النبي الأكرم ( صلوات الله عليه وآله)، وحيث إن الله عالم بتلك الأيادي الخبيثة التي تسعى لتخفي إيمان جد النبي، لتتمكن من رمي النبي ببعض الإتهامات التي طالت بعض القبائل كبني أمية محاولة المساواة بين بني هاشم وبني أمية وهيهات لهم ذلك.
فقد تم تدوين هذه الحادثة في كتاب ثبت عند الجميع أن يد التحريف لم تتمكن أن تصل له رغم المحاولات فجاءت سورة كاملة بالقران باسم سورة الفيل تشير لتلك الحادثة التي حوت مناقب جد النبي وكافله.
وحان الوقت لنكشف النقاب عن عامٍ شهد بولادة نبي الأمة وإيمان جده، وهنا طويت صفحات التاريخ بعد أن إنكشفت لي الحقيقة وأحببت أن اكتب بعض ما وجدته في التاريخ ليفهم الناس إن النبي ولد في بيت شع الايمان من كل أركانه فاصطفاه الله للناس نبياً وهادياً ومنذراً ومبشراً.
المصادر:
1- الكلبي، الأصنام، ص 142.
2- الدينوري، الأخبار الطوال، ص 92.
3-السبحاني، فروغ ابديت، ص 125.
4-المقدسي، البدء والتاريخ، ج 3، ص 187.
5- المقدسي، البدء والتاريخ، ج 3، ص 187.
6-السبحاني، فروغ ابديت، ص 126.
7-السبحاني، فروغ ابديت، ص 126.
8- العسكري، عقائد الإسلام، ج 2، عبد المطلب بن هشام.
9-الرازي، تفسير مفاتيح الغيب، ج 32، ص 100.
10-المجلسي، بحار الأنوار، ج 15، ص 138.
11-المجلسي، بحار الأنوار ج 15، ص 142 و159.
12-المجلسي، بحار الأنوار، ج 65، ص 230؛ ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، ج 1، ص 64؛ الطبرسي، مجمع البيان، ج 9 و10، ص 820؛ السبحاني، فرازهايي از تاريخ پيامبر اسلام، ص 46؛ ابن عثمان، المبعث والمغازي، ص 36.