أوصافه وصفاته:
تمتع آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأوصاف جميلة وصفات جليلة، أوصاف ظاهرة على شخصياتهم للعيان وصفات كامنة تتجلى منهم عند التعرف إليهم ومعايشتهم كما لاحظها وعاشها المعاصرون لهم. تمتعوا بتجميع الكمالات لديهم دون استثناء أو افتقار لشيء صغير أو كبير..
تمتعوا بتجمع كبريات المواصفات وحسنيات الصفات النبيلة الساميات، فلم يتركوا جميلاً جليلاً إلا ولهم فيه خصوصية، وما من قبيح حقير إلا ولهم في النهي عنه وحربه ممارسات وظيفية..
ذلك لأن تمتعهم بما ذكرنا هو من أخص خصوصياتهم، التي أهلتهم للرسالة، بل هو من أهم اختصاصاتهم – بتعبير أدق -، إذ أنهم ينبغي أن يكونوا في مستوى ما يدعون إليه، وليس من المعقول أن يكونوا رواداً لنظريات ومبادئ، وهم بعيدون عنها أو يفتقرون لمؤهلاتها ومتطلباتها سواء أثناء الدعوة أو خلال التطبيق لما لديهم من مقررات، فالنظرية والتطبيق مما لا يمكن فصلهما قط.. وبذلك فان اختصاصهم الفعال هو كونهم المثل الأعلى، والقدوة الحسنى..
ولو قمنا باستقصاء النظر في مميزاتهم، واستقرأنا مواصفاتهم وأخص خصوصيات شخصياتهم، لما عدونا علي الأكبر عنهم فيما كانوا عليه مما لم يشاركهم أحد فيه.. بل هو في ذروة المميزات وله الحظ الأكبر والقسط الأوفر منها، بحكم أنه شبيه جده النبيصلى الله عليه وآله وسلم، الذي حاز قصب السبق إذ كان الأول كما كان المنبع والمصدرصلى الله عليه وآله وسلم.
وما قولنا بأنه شبيه جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مأخوذ من راوٍ أو مؤرخ أو شاهد عيان بسيط ومعاصر عادي، وإنما هو مأخوذ عن شاهد دقيق النظر، صادق صدوق، فقد صرح بذلك والده الإمام الحسين عليه السلام، وعنه روى الراوي وأرخ المؤرخ. سيما وأن الإمام أعرف الناس برسول الله، وأكثرهم التصاقاً به وأشدهم تعلقاً به كما أنه ورث منه واكتسب عنه، فلما ولد نجله علي الأكبر وشب يافعاً، فقد أخذ يوحي بصورته وأخلاقه ومنطقه إلى الرسول، فأضحى ذكراه وتذكاره حتى كان الناس – من أهل المدينة – يشتاقون لرؤياه، سلام الله عليه.. ثم ليس أكثر من أبيه الإمام الحسين حضوراً لملامح جده ومعالم تلك الشخصية العظيمة.. وعليه فان كلامه – والذي سنسجل نصه في القسم الثاني بمكانه المناسب – الذي يؤكد محاكاة علي للنبي وأنه أشبه الناس به خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً، كلام بمستوى الحضور الحقيقي. وكان علي الأكبر من أصبح الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً حسبما اتفق المؤرخون فضلاً عن اتفاقهم واجماعهم على مضمون تصريح أبيه الحسين من كونه مثيل الرسول من حيث الخلقة، والأخلاق، والنطق.
وحري بنا أن نعود لتسجيل بعض ما ورد عن النبي الأعظم بالذات، فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم: يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب أي الطويل القامة، عظيم الهامة رجل الشعر.. أزهر اللون واسع الجبين، أزج الحواجب سوابع في غير قرن، بينهما عِرق يدرّه الغضب، أقنى العِرنين، ولـه نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، أدعج، ضليع الفم، أشنب مفلج الأسنان، دقيق المسرٌبة كأن عُنقه جيد دُمية في صفاء الفضة ، معتدل الخلق بادناً متماسكاً، سواء البطن والصدر عريض الصدر.. حتى يقول: خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جُلّ نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبدر من لقي بالسلام.
تلك بعض أوصافه المقدسة، ومن بعض صفاته الجليلة تقرأ:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليس له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فصلاً لا فضولاً ولا قصيراً فيه، دمثاً ليس بالجافي ولا بالمهين، يُعظم النعمة وان دقت ولا يذم منها شيئاً، ولا يذم ذواقاً ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، إذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها.. وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ من طرفه، جُلّ ضحكه التبسم. وغير تلك الصفات والأوصاف الشيء الكثير لذلك الرجل الكامل، سيد الكمالات وصاحبها، على أن ما يروى بهذا الصدد إنما هو محاولة لتقريب شخصه الشريف للأذهان.
وبعد: فلنا أن نؤكد حقائق هامة قبل أن نختم الموضوع، فنقول: بأن حرصنا للوقوف على الأوصاف والصفات وتأكيد التقاء علي الأكبر بالنبي الأعظم في مميزاته يرجع إلى أسباب هامة ومبررات موضوعية جادة، منها مثلاً:
1 – إجلاء الشخصية الحيوية السامية، لا لأنها منتسبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما لما اتسمت به مما توفر في شخص الرسول بالذات، ولمضمون الشخصية ومحتواها، وبحكم أنها تشكل المثل الأعلى.
2 – إن الانتساب للرسول كان يكفي للاحترام والامتناع عن القتل، ولكن الأوصاف والصفات كانت تشكل حجة أكبر بجمعها مع النسب الشريف المقدس، ومن هنا كان العدو يخشى قتل علي الأكبر أو يتجنبه كما قيل، لا لأنه سليل الرسول بل لما فيه من اجتماع لمواصفات الرسول بيد أنهم تناسوا ذلك كله فانتهكوا حرمته..
3 – إن أوصافهم وصفاتهم تعطي إيحاءات راقية ومفاهيم خلقية وقيماً ومثلاً نبيلة، لها دورها في إبراز مصداقية المعاني السامية الكريمة التي تكمن فيهم والتي يتسربلون بها.
4 – وأخيراً فمن الضروري جداً إدراك هذه الناحية وهي أنه ليست المميزات المتطابقة مهمة بقدر أهمية تطابق المواقف الرسالية.. وقد شهد التاريخ لعلي الأكبر مواقف جده الصلبة الصارمة، وشهد له أنه شبيه جده رسول الله خلقاً وخُلقاً ومنطقاً وموقفاً وعملاً..
فنحن إذ نقف على الخصال الخيرة المتطابقة، فليس على حساب تطابق النتائج، لاسيما وأن ثمة علاقة بين المميزات المتشابهة – كمقدمات – وبين المواقف المصيرية – كنتائج – ولنختم هذا الفصل ببيتين لشاعر الرسول حسان بن ثابت الذي قالها في علي الأكبر وهي:
وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرّءاً من كل عيـب كأنك قد خلقت كما تشـاء.