المبررات التي ساقها قادة أصحاب الجمل:
برر طلحة موقفه من هذه المعركة في خطبته التي أوردها في جمع من أهل البصرة بأنه جاء مصلحاً، حيث قال: «ولسنا نطلب خلافة ولا ملكاً، وإنا نحذركم أن تغلبوا على أمركم، وتقصروا دون الحق، وقد رجونا أن يكون عندكم عون لنا على طاعة الله وإصلاح الأمة؛ فإنّ أحق من عناه أمر المسلمين ومصلحتهم أنتم يا أهل البصرة».
بيان أمير المؤمنين (ع):
نقل عن الإمام علي في الخطبة (172) من نهج البلاغة حول دور طلحة وزبير في المعركة حينما قال: «فخرجُوا يجرُّون حُرْمَةَ رسول اللَّه (ص) كما تُجرُّ الأَمَةُ عندَ شرائها مُتوجِّهينَ بها إلى البصرة».
حبّ كل من طلحة والزبير للسلطة:
وقد أشار أمير المؤمنين إلى هذا العامل في الخطبة 148 من نهج البلاغة والتي جاء فيها: «كلُّ واحد منهما – أي: طلحة وزبير- يرجو الأَمرَ لهُ، ويَعْطِفُهُ عليه دون صاحبه لا يَمُتَّانِ إلى اللَّه بحبل ولا يَمُدَّانِ إِليه بسبب».
نكث العهد وإثارة الفتنة:
أشار أمير المؤمنين إلى ذلك في خطبته التي نادى فيها الناس أن تجهزوا للمسير؛ فإن طلحة وزبير قد نكثا البيعة، ونقضا العهد، وأخرجا عائشةة من بيتها يريدان البصرة؛ لإثارة الفتنة، وسفك دماء أهل القبلة.
عامل الحقد والضغينة:
وهذا العامل لا يمكن إنكاره فقد كان يعتلج في قلوب البعض منهم من الحقد والضغينة لـأمير المؤمنين الشيء الكثير حتى أنّه أرجع حقد المرأة عليه إلى العوامل التالية:
- أحدها تفضيل رسول الله (ص) له على أبيها.
- وثانيها لما آخى بين أصحابه اختصه بإخوته دون غيره.
- ثالثها: وأوحى الله تعالى إليه (ص) بسد أبواب كانت في المسجد لجميع أصحابه إلا بابه (ع).
- رابعها: إن رسول الله (ص) أعطاه الراية يوم خيبر – بعد أن أعطاها لجماعة، ولم يتمكنوا من فتح الحصن- قائلاً: لأعطين الراية غدا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كراراً غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه، فأعطاه الراية، فصبر حتى فتح الله تعالى على يديه و….
يضاف إلى ذلك أن طلحة وزبير أرسل إليهما معاوية بن أبي سفيان كتابا دعاهما فيه إلى نقض بيعتهما للإمام علي والمطالبة بدم عثمان وأنَّه قد أخذ بيعة أهل الشام للزبير ولطلحة من بعده ولم يبق أمامهما إلا أخذ البيعة من أهل البصرة والكوفة، مما أدى بهما إلى الإجهار بالخصومة لأمير المؤمنين.
محاولة إخفاء ما قام به قادة الفتنة:
عندما طرق سمع أمير المؤمنين مطالبة طلحة وزبير بدم عثمان وأنهما نهضا للآخذ بثأره قال:
-
-
- «واللَّه ما قتلهُ غيرهما». كذلك ورد هذا المعنى في الخطبة (137) من نهج البلاغة حيث قال: «واللَّه ما أَنكروا عليَّ منكراً، ولا جعلوا بيني وبينهم نِصْفاً، وإِنَّهُمْ ليطلبونَ حقاً هُم تركوهُ ودماً هم سفكوه».
وقال : مشيراً إلى ما يرومه طلحة من التغطية على موقفه من عثمان وأنه المحرض والساعي في قتله: «واللَّه ما اْستعجلَ– أي طلحة- مُتجرِّداً للطَّلبِ بدم عثمانَ إِلا خوفاً من أَن يُطالبَ بدمه؛ لأَنَّهُ مَظِنَّتُهُ، ولمْ يكن في القوم أَحرص عليه – أي على قتل عثمان- منه. فَأَراد أَنْ يُغالطَ بما أَجْلَبَ فيه؛ ليلْتَبِسَ الأَمْرُ، ويقعَ الشَّكُّ». وبالتأمل في تلك الفقرات يتضح أنه:
أولا: تركيز أمير المؤمنين(ع) على طلحة والزبير، وكأنه يرى فيهما المحرك الرئيسي لتلك الحرب، وأنّ عائشة تلعب دوراً هامشياً، وأنّهما استغلا موقعها من رسول الله (ص)؛ لإضفاء الشرعية على تحركهما.
ثانياً: الأدلة التي ساقها قادة الفتنة في الجمل لم تكن بالأدلة المحكمة والمدعومة بالدليل والبرهان المحكمين؛ خاصة قضية المطالبة بدم عثمان؛ وذلك لأن هؤلاء الثلاثة ومنهم عائشة لم يكونوا على وئام مع عثمان.
وقد أشار ابن أبي الحديد إلى الخصومة الشديدة بين عائشة وبين عثمان بقوله: «قال كل من صنف في السير والأخبار أن عائشة كانت من أشدّ الناس على عثمان حتى إنّها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله (ص)، فنصبته في منزلها، وكانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله (ص) لم يبل، وعثمان قد أبلى سنته».