إن تمييز طائفةٍ من الناس بتخصيص عيدٍ لهم – بما للعيد من معنى- عمل يقوم به من يريد ان يبرز هذه المجموعة عن الباقين ويبين مكانتها ومرتبتها بين الناس، وهكذا فعلت الشريعة حيث جعلت عيداً للصائمين وهو عيد الفطر تميّزاً لهم ولصومهم وقيامهم في شهر رمضان.
وجعلت للحجاج عيدا وهو عيد الاضحى تميّزا لهم وللالطاف التي حصلوا عليها بعد ادائهم لمناسكهم , وجعلت للمسلمين عامة عيدا وهو يوم الجمعة تميّزا لهم ايضا عن غيرهم , ثم جعلت للشيعة عيدا وهو عيد الغدير الاغر تميّزا لهم عن المسلمين من العالمين جميعا بمبايعتهم لامير المؤمنين ع واقرارهم لوصية الرسول (صلى الله عليه واله ) بتنصيبه له (ع) خليفة – ظاهرا – على المسلمين من بعده. وهذا التميّز يحتاج الى المحافظة عليه وعلى رونقه وقداسته.
وان نكون اهلا له بما يتناسب وعنوان التشيّع وتطبيقه العملي فالتشيّع لغة هو المشايعة اي المتابعة والمناصرة والموالاة ومعه فالشيعة لغة هم الاتباع والانصار(1) فكلمة (شيعة) في حد ذاتها بهذا المعنى ليس لها قداسة خاصة فهي كما تطلق على اهل الحق تطلق على اتباع الباطل ايضا وهذا مانجده في خطاب الامام الحسين ع لجيش يزيد بن معاوية :(ياشيعة آل ابي سفيان ان لم يكن لكم دين وكنتم لاتخافون المعاد فكونوا احرارا في دنياكم ) ولكن التشيع اصطلاحا هو اسم لمذهب أتباع الامام علي ع الذين يعتقدون بولايته وامامته وتقديمه على الغير في الامامة وفي كل شيء.
وهذا هو جوهر التشيع وهو الالتزام بالإمامة وتموجاتها وابعادها الكلية والجزئية. والسؤال هنا: هل يكفي انتحالنا للتشيّع بان نقول بحب أهل البيت ع؟هل يكفي هذا في تميّزنا بعيد الغدير ؟
ولنأخذ الجواب من معدن العلم والنور الازهر باقر العلوم الظاهرة والباطنة حيث يقول مقسِماً بالله العظيم لتأكيد اهمية وخطيرة كلامه: فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا امناء عشائرهم في الأشياء(2) ونستطيع ان نفهم ان للتشيّع اطلاقين بلحاظ الطائفة الحقة: اطلاقا بلحاظ من يقول بحب علي ع واولاده المعصومين وولايتهم واطلاقا بلحاظ من يكون من شيعة علي حقا وينتحل هذه الصفة ويتميز بها قولا وفعلا وسلوكا. وبهذا اللحاظ نجد ان الموالي يستطيع الانطلاق علميا واخلاقيا وفكريا وروحيا من منبع العلم والاخلاق والفكر والروح ليكون بذلك اهلا للتميز المطلوب الذي جُعل عيد الغدير مصداقا لبيان هذا النوع المثابر.
إذا أصل كل مراتب الولاية حب المولى وبعد ذلك يأتي العمل لنيل مراتب التشيّع الحقيقي، عن أبي بصير قال : قال الصادق ع: شيعتنا أهل الورع والاجتهاد، وأهل الوفاء والأمانة، وأهل الزهد والعبادة، أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة، القائمون بالليل، الصائمون بالنهار، يزكّون أموالهم، ويحجّون البيت، ويجتنبون كلّ محرّم(3) ولعل من تطبيق الاطلاقين السابقين للتشيّع على مصاديقهما في عصرنا نجد ان بعض الناس يحتفلون بعيد الغدير كأي مناسبة تخص أهل البيت ع وهذا راجح و مطلوب بمرتبة بحد ذاته لانه احياء لذكرهم الذي هو ذكر لله تعالى.
ولكن البعض الآخر المتميز يكون احتفالهم بشكل آخر فهم الذين يجعلون هذا العيد منطلقا لتميزهم وسيرهم في هذه الدنيا على نهج اميرهم ومقتداهم علي (ع) فهؤلاء هم الشيعة حقاً.. الذين كرمهم الله وميزهم بيوم عظيم هؤلاء الذين يجعلون هذه الذكرى محطة للمراجعة والمحاسبة والمقارنة بين سلوكياتهم الظاهرة والباطنة والمثل الاعلى العلوي نسبة ومقارنة.
فيشكرون الله كلما اقتربوا من حقيقة علي وعيده الاعظم ويطلبون الغفران للتقصير في حقوق الولاية والنعمة التي اسبغت عليهم في هذا اليوم ويستزيدون من كمالاتهم معرفة ورقيا، أولئك هم خير البرية ومعه لتكن محطة الغدير يوم للمحاسبة والتميز والمراجعة والتكامل لنكون لعلي وآله زيناً ولانكون شيناً. اللهم أحيّنا على ما أحييت عليه علي بن ابي طالب ع وامتنا على ما مات عليه علي بن ابي طالب ع.
بقلم أم منتظر الكاظمي