“القدوة اسم من اقتدى به، إذا فُعِل مثل فعله تأسّيا، وفلان قُدْوَةٌ، أي يُقتدى به”. أمّا في معنى الْأُسْوَةُ، فقالوا هي “كالقدوة، وهي الحالة الّتي يكون الإنسان عليها في اتّباع غيره”.
وعليه، فالاقتداء والتأسّي هو التبعيّة للمُقتدى به والتسنّن بسنّته من قول أو فعل عمومًا، وهو المعنى الاصطلاحيّ أيضًا. فالاقتداء هو طلب موافقة الآخر في فعله، واتّباع شخصيّة تنتمي إلى القيم نفسها التي يؤمن بها المقتدي. وعادة ما يمثّل شخص المقتدَى به قدراً من المثاليّة والرقيّ والسموّ عند أتباعه ومحبّيه. والقدوة تنطوي في داخلها على نوع من الحبّ والإعجاب اللذين يجعلان المقتدِي يحاول أن يطبّق كلّ ما يستطيع من أقوال المقتدى به وأفعاله.
السيدة فاطمة (عليها السلام) القدوة الحقيقيّة
بعد أن اتّضح معنى القدوة وموقعها في حياتنا وخصائصها، علينا البحث عن المصداق الحسن والواقعي لقدوة كلّ مؤمن ومؤمنة في هذه الحياة. يقول الله عزّ وجلّ في محكم كتابه: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾. حيث تبيّن لنا هذه الآية الكريمة وتعطينا فكرة واضحة عن النموذج الذي ينبغي علينا الاقتداء به، وهم ﴿الَّذِينَ هَدَى اللّهُ﴾.
وفي موضع آخر يقول عزّ وجلّ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً﴾، وتبيّن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الأسوة والنموذج الأحسن والأتمّ، ولكن ليس لجميع الناس بطبيعة الحال، بل لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً.
وبالتالي، فإنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو القدوة الحقيقية لكلّ مؤمن متديّن ومؤمنة متديّنة. وكذا هو الحال بالنسبة لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن سار على خطاهم، فهم عليهم السلام قدوة كلّ تائق نحو الكمال الحقيقي والجمال الواقعي وملاذه.
والإسلام العزيز، كدين، قد منّ على المؤمنات أيضاً أنّ قدّم لهنّ نموذجًا كاملًا من النساء، يلحظ خصوصيّاتهن ويجسّد حياتهن بمختلف أبعادها، وهذا النموذج هو السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام).
فالسيّدة فاطمة (عليها السلام) هي بنت الوحي والرسالة، وهي التي تربّت في حجر سيّد الخلق، فكانت الناطق العمليّ والمترجم السلوكيّ للإسلام في الحياة، كما يقول الإمام الخمينيّ (قدس سره): “إنّ مختلف الأبعاد التي يمكن تصورّها للمرأة وللإنسان تجسّدت في شخصية فاطمة الزهراء (عليها السلام). لم تكن امرأة عاديّة، كانت امرأة روحانيّة ملكوتيّة…”.
فعندما نطّلع على سيرتها العطرة نجد أنّ أغلب الجوانب الحياتيّة التي تقاسيها المرأة – إن لم نقل كلّها – قد مرّت بها (عليها السلام)، حيث تقدّم لنا، بسلوكها النابع من الذوبان في الإسلام، الأسس والقواعد – على أقلّ تقدير – التي ينبغي اتّباعها في الحياة للالتحاق بها وتحقيق الهدف من الخلق. إنّ طريق الزهراء عليها السلام هو طريق العظمة، هو طريق رضى الله عزّ وجلّ والمراتب العلى. كما يقول الإمام الخمينيّ (قدس سره) في إحدى كلماته مخاطباً النساء بمناسبة يوم المرأة: “إنكنّ حين رضيتنّ بأنْ يكون يوم ولادة فاطمة الزهراء عليها السلام يوماً للمرأة، فهذا يرتّب على عواتقكنّ مسؤوليّات وتكاليف. يومكم، يوم المرأة ويوم الأمّ، وهو يوم فاطمة الزهراء عليها السلام، فما معنى هذا؟ إنّها خطوة رمزيّة وعمل رمزيّ (شعائري)، ومعناه أنّ المرأة يجب أن تسير على هذا الصراط، والعظمة والجلالة، وعلوّ المقام والقدر يتحقّق للمرأة في هذا الدرب، الدرب الذي تتوافر فيه التقوى والعفاف، والعلم والخطابة، والصمود في مختلف الميادين التي تحتاج إلى الصمود، وتربية الأبناء، والحياة العائليّة، وفيه الفضائل والجواهر المعنويّة كلّها. على النساء السير في هذا الاتّجاه”.
ولا يقولنّ لنا أحد أنّ السيدة فاطمة (عليها السلام) كانت معصومة فلا يصدر عنها إلّا الكامل من القول أو الفعل، وليست هذه حال الناس، فكيف يمكن أن يَقْتدي غير المعصوم بالمعصوم؟ أليس ذلك تكليفاً بما لا يُطاق؟.
ففي سياق الإجابة نورد كلامًا للإمام الخمينيّ (قدس سره)، يقول فيه: “والإنسان الشرعيّ هو الذي ينظّم سلوكه وفق ما يتطلّبه الشرع، يكون ظاهره كظاهر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، يقتدي بالنبيّ العظيم صلى الله عليه وآله وسلم ويتأسّى به في جميع حركاته وسكناته، وفي جميع ما يفعل وما يترك. وهذا أمر ممكن، لأنَّ جعْلَ الظاهر مثل هذا القائد أمر مقدور لأيّ فرد من عباد الله”.
فلو رجع الإنسان إلى نفسه ووجدانه لوجد أنّه يستطيع أن لا يعصي، ولكنّه يركن إلى الشيطان ونفسه الأمّارة، فالعصمة عن الذنوب والمعاصي أمر مقدور للجميع وإن احتاج إلى مجاهدة، إلّا أنّ هذا السلوك الظاهريّ المعصوم ليس مُختصًّا بالمعصوم.
بل إنّ العديد من مراتب العصمة الأخرى أيضًا مُتاحة للإنسان، وهو أمر نشهده في سير العلماء. فقابليّة الإنسان أن يعصم نفسه تدفع الإشكال إن ورد، وإن كان للكمّل من خلق الله عليهم السلام من الأنبياء والسيدة فاطمة والأئمة خصوصيّة أنّ الله يصطفيهم ويعصمهم، ولديهم مراتب عصمة مختصّة بهم، وليس هذا محلّ البحث، وإنّما يبحث في علم العقائد والكلام، فنكتفي بالإشارة.
المصدر: السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام قدوة وأسوة – بتصرّف، دار المعارف الإسلامية الثقافية
يمكنك الاشتراك على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية