قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “فاطمة بضعة مني، من أغضبها فقد أغضبني”.
هي السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، أم أبيها كما قال عنها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وخير عون على الطاعة كما قال عنها زوجها أمير المؤمنين عليه السلام، وهي المرأة الأكمل للرجال والنساء في الخلق والزهادة والعبادة. تربت في بيت النبوة، وتخلّقت بأخلاق أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعاشت الحبّ لله تعالى، حتى روي أنه لم يكن في هذه الأمة أعبد من فاطمة الزهراء عليها السلام.
وإن أكثر ما وصل عنها عليها السلام من نصوص، أغفل أنها الأم المربية، المعلّمة لأقرانها. ولو تمّ تسليط الضوء أكثر على هذه الحقبة من حياتها، لأمكن عرضها كنموذج مهم، بل أساس للتربية، خصوصاً لما يظهر من ضعف وجود قدوة للنساء المسلمات خلال حياتهن. فما هي ملامح السيدة الزهراء عليها السلام التربوية والاجتماعية والعبادية؟ وهل وضعت معايير يمكن الاقتداء بها خلال عمرها الوجيز؟
*أم صابرة عابدة
كانت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام في بيتها المتواضع منارة للإيمان. إذ كانت:
1. تطعم الفقير والصغير واليتيم وتعلّم أطفالها منذ الصّغر على الإيثار.
2. تربي أبناءها على التقوى وكانت تأمرهم بالنوم نهاراً في شهر رمضان. وتحثّهم على إحياء ليالي القدر من أول اللّيل إلى الصباح.
3. كانت الزهراء عليها السلام تتحلى بصفة الصبر. وقد ربّت أبناءها عليه، كما بيّنت لابنتها زينب عليها السلام، مع كونها طفلة، مواقفها المستقبلية ودورها في مصيبة أخيها الإمام الحسين عليه السلام.
4. كانت عابدة، زاهدة وكانت تدعو في صلاتها أمام أبنائها لغيرها قبل أن تدعو لنفسها.
عن الإمام الحسن بن علي عليه السلام قال:”رأيت أمي فاطمة عليها السلام قائمة في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتّضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء فقلت لها: يا أماه لما لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت:يا بني الجار ثم الدار” .
*معلِّمة غير معلَّمة
كانت الزهراء عليها السلام تحثّ أبناءها على العلم والتعلم، وتحثّ الحسنين عليهما السلام على الحضور في المسجد والاستماع لخطب وأحاديث جدّهما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ثم استنطاقهما وسؤالهما بعد العودة إليها، عما جرى من سؤال وجواب ووحي، وبهذه الطريقة كانت تحرص على تحصيل المعرفة لولديها. لقد غرست الزهراء عليها السلام في نفوس أولادها خصال الخير ومكارم الأخلاق وأرضعتهم مبادئ التوحيد والدفاع عن الحق.
وكانت تعمل على عدم التفريق بين الأبناء في التعامل وإظهار الحب. فقد روي أن الحسن والحسين كانا يكتبان فقال الحسن للحسين عليهما السلام خطي أحسن من خطك. فقال الحسين: بل خطي أحسن. فقالا لأمهما: احكمي بيننا من أحسن منا خطاً، فكرهت فاطمة تفضيل خط أحدهما عن الآخر، فقالت لهما: أنا أنثر بينكما هذه القلادة، فمن أخذ من جواهرها أكثر فخطه أحسن. فنثرتها وأخذ كلاهما الجواهر مناصفةً .
كانت الزهراء تقوم بالأعمال المنزلية بنفسها بالرغم من وجود خادمة لديها. وقد انعكست التربية الفاطمية على خادمتها فضّة، فكانت فضة كالتلميذة التي تتبع أثر معلمتها حتى صارت بنفسها رمزاً للمرأة العارفة المؤمنة، التي اتخذت من القرآن كتاب الله الخالد، منهجاً لحياتها في شتّى شؤونها. فقد روي: “انقطعت في البادية عن القافلة فوجدت مرأة، فقلت لها: من أنتِ؟ فردّت عليه بالقرآن فتحيّر وكلما سألها كانت ترد عليه بآيات من القرآن الكريم، فسأل: من هي هذه المرأة؟ فقالوا له: هذه فضة خادمة الزهراء عليها السلام ما تكلَّمَتْ، منذ عشرين سنة، إلاّ بالقرآن.
*علاقتها مع خالقها
الأحاديث في عبادة السيدة الزهراء عليها السلام كثيرة، خاصة الأدعية التي كانت تناجي بها ربها، فقد كانت نموذجاً فريداً للمؤمنة العابدة، تقوم ليلها حتى تتورم قدماها راكعة ساجدة، تدعو للمحتاجين حتى ينبلج عمود الفجر. فيروى أن الله (عزّ وجل) يباهي بها ملائكته: “انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أنني قد أمنت شيعتها من النار” . وروي أن هناك من تعجب من عبادة الصديقة الطاهرة عليها السلام فكان الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجيبهم قائلاً: “إن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها إيماناً”.
*علاقتها بالرسالة النبوية
كانت الزهراء عليها السلام تعلّم النساء ما يشكل عليهن من الأحكام الشرعية والمعارف الإلهية. عن الإمام العسكري عليه السلام قال: “حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألك فأجابتها فاطمة عليها السلام عن ذلك، فثنت فأجابت ثم ثلثت إلى أن عشّرت فأجابت، ثم خجلت من الكثرة، فقالت عليها السلام: هاتي وسلي ما بدا لك، إني سمعت أبي يقول: إن علماء أمتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجَدّهم في إرشاد عباد الله حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلة من نور”.
وكانت عليه السلام تزور قبور الشهداء من معارفها وأقاربها. فعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:”إن فاطمة عليها السلام كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت فتأتي قبر حمزة وتترحّم عليه وتستغفر له”.