الإمام علي “عليه السلام” فتى الإسلام الأول بلا منازع، ومن بعده “عليه السلام” لم يتصّف الكثير من المؤمنين بالفتوة في خدمة المشروع الإسلامي وفق المعالم التي بينها المرجع اليعقوبي للفتوّة في الإسلام، بأنها ليست متعلقة بالشباب فحسب كما هو المصطلح، بل هي صفة يتحلى بها المؤمن مهما كان عمره، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (ما تزيّن الانسان بزينةٍ أجمل من الفتوة)، وتتركز الفتوة في الشباب لأنهم (يتصفون بطراوة الفطرة وطهارة النفس وبالشجاعة والقوة والإقدام والتضحية والنخوة والحيوية والمسارعة إلى الخير).
فالقلّة القليلة ثبتت بعد رحيل النبي الأكرم “صلى الله عليه وآله” وتمسكّت بولاية أمير المؤمنين، وتحملت ما تحملت في سبيل ذلك وإعادة الحق إلى نصابه بعد انحراف الكثيرين وانقلابهم على الأعقاب.
ومن أوائل الذين كان لهم الأثر الكبير، فتى الإسلام جعفر بن أبي طالب وسلمان المحمدي والمقداد وأبي ذر، وغيرهم ممن كان رسول الله “صلى الله عليه وآله” قدوةً لهم وأسوةً حسنة.
قائمة فتية الإسلام في عهد أمير المؤمنين لم تكن بما يكفي لنشر الوعي بين الناس ونصرة الإمام الحق فعمّ الجهل في المجتمع وتفرّقوا عن قائدهم، وغُيّب الأئمة المصلحون “سلام الله عليهم أجمعين”، لأن كلامهم “سلام الله عليهم” لم يصل إلى الناس ليستمعوا إليه فيتبعونهم كما وصف الإمام الرضا “عليه السلام” (فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا).
ثم تضائلت القائمة شيئاً فشيئاً حتى وصلت إلى ما يشبه العدم أيام خلافة الإمام الحسن المجتبى “عليه السلام”، وسبعون فقط من أصحاب الحسين الذين ثبتوا معه “عليه السلام” حتى أُبيدوا جميعهم في طف كربلاء؛ وهكذا يستمر الخذلان وقلّة الناصر من الخلّص الذين يتصفون بصفات الفتوة مع الأئمة من ذريّة الحسين “عليهم السلام” حتى ظهور القائم المنتظر “عجّل الله فرجه الشريف”.
أما في زمن الغَيبة الكبرى فقد وصل الدور إلى المرجعية الدينية المصلحة في زمانها، وحاجتها إلى فتية الإسلام في حركاتها الإصلاحية الإسلامية وتأثيرهم في الأمة، كما حصل للسيد الشهيد الصدر الأول “قدس سره” مع القيادة النائبة التي أراد لها تكملة المسيرة وما رافقها من مواقف بوجود القلّة ممن كان يتصف بصفات الفتوة كالشهيد الصدر الثاني “قدس سره” وغيره من الأعلام.
وفي الحركة المباركة للشهيد الصدر الثاني “قدس سره” رغم أنه كان يعاني من شحة المتصدين بمواصفات الفتوة الإسلامية، فبرزت مشكلات عديدة في المحافظات كادت أن تشوّه صورة الحوزة والمرجعية وظهر إلى السطح منها لاحقاً، فكان يقول عن تكليف بعضهم (من قلة الخيل) بحسب تعبيره (قدس سره) في أحد اللقاءات؛ ورغم ذلك فقد نصره العديد من القامات الرسالية من فتية الإسلام وعلى رأسهم الذي نصره في يوم شدته الشيخ المرجع اليعقوبي، وقد صرح السيد الشهيد بنفسه عن ذلك (حقيقة الشخص الرئيسي الأول الذي ناصرني في يوم شدتي هو جناب الشيخ محمد اليعقوبي)(لقاء البراني).
وكان لهم الدور الكبير في نشر مرجعية السيد الصدر وتوجيه الشباب نحو الدين والأخلاق الفاضلة.
واليوم يتجدد التحدي للمؤمنين الرساليين مع مرجعية الشيخ اليعقوبي “دام ظله” بأن يصبحوا قادة في المشروع الرسالي، ويتحملون الظروف والأحوال المتغيرة ويواكبون فكر ومشاريع المرجعية الرشيدة التي لا تهجم عليها اللوابس، وإيصالها إلى الأمة لإقامة الدين، ليكونوا على طريق فتية الإسلام وتحقيق العدل وكرامة الإنسان.
لذلك فإن أي حركة إسلاميّة تريد إصلاح المجتمع وإقامة الدين تحتاج لتربية الشباب وزرع صفات الفتوة في نفوسهم وسلوكهم، لتصنع منهم قادة على مستوى فتيان الاسلام يؤدون الدور الكبير المناط بهم، مثلما تمتع بها من المعاصرين أصحاب السيد الإمام الخميني “رضوان الله عليه” حينما أعانه القادة العلماء الذين كانوا يتصفون بتلك الصفات الكريمة، ونشروا الدين بين الشباب ونقلوا فتاوى وكلمات المرجع الثائر إلى الشعب الذي كان ملتفاً حول قيادته الحقة بسبب نشاط وهمّة ونيّة أولاك الرجال والنساء الذين كانوا يمثلون الحلقة الوسطية والمهمة في انتصار الثورة الإسلامية.
فنرى أكثر ما يؤكد عليه المرجع اليعقوبي، تربية النفس وتهيئتها قبل الولوج في العمل الاجتماعي ليكون العاملين قدوة وأسوة حسنة لغيرهم ويذوبوا في الله عزّ وجل، ويكونوا قادة في المشروع الرسالي الإسلامي ومن فتية الإسلام لنصرة الدين وإقامة شريعة سيد المرسلين محمد “صلى الله عليه وآله وسلم”.
إن الغاية الأساسية من تربية وبناء القادة الرساليين هي صناعة النموذج الصالح من فتية الإسلام كما بينها المرجع اليعقوبي في خطابه (الفتوّة زينة الإنسان) ودعوته لجعل يوماً عالمياً للفتوة بذكرى معركة أحد ونزول نداء السماء (لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذو الفقار)، لنصرة الدين والصمود أمام الصعاب ومعرفة الحق واتباعه؛ وإنجاح الحركات المرجعية الإصلاحية في الأمة، لتمكين فقهاء الإسلام من إقامة الدين ونفوذه على القوانين وتحقيق العدالة الاجتماعية؛ والتمهيد للظهور المبارك للإمام الحجة الموعود “عليه السلام” بتهيئة القادة إلى سبيله والدعوة إلى طاعة الله تعالى، ونشر الدين والأخلاق وتوسيع القاعدة المؤمنة بالإمام والمنتظرة له بحسن السيرة والاستعداد للنصرة قولاً وعملاً.
حتى يصل فتية الإسلام إلى العدد المعتد به ليكونوا قادة ومربين يوصلون الناس إلى مراتب يستحقون فيها اليمن بالظهور المبارك على صاحبه وآباءه الطاهرين آلاف التحية والسلام.
﴿.. وَيَومَئِذٍ يَفرَحُ المُؤمِنونَ﴾ [الروم: ٤]
والحمد لله على نعمة الهداية وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله..
علي الأزيرحاوي
15 شوّال 1445
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية