أمير المؤمنين علي (ع) هو أقرب الناس إلى النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخصُّهم به، نشأ في حجره، يتَّبعه اتِّباع الصبي لأمِّه وأبيه، يتلقى منه مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ومفاتح العلوم وأسرار الحياة وفلسفتها.
فإذا قال أهل العلم بالحديث كأحمد بن حنبل وغيره: “إنَّه لم يرد في الصحاح والحسان لأحد من الصحابة ما ورد لعليٍّ”، فإنَّما يقرّون حقيقة شاهدها تأريخ صدر الإسلام كلِّه. من هنا حقَّ لبعض أهل العلم القول: إنَّ الحديث عن مناقب علي لا يعدو أن يكون نافلة وفضولاً، تماماً كالحديث عن نور الشمس.
ولهذا سنقصر مادة هذا الدرس على باقة صغيرة ممَّا جاء في حقِّه (ع) في القرآن والحديث.
1- نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
عليٌّ أحد المدعوّين في مباهلة وفد نصارى نجران، إذ قال عزَّ من قائل: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾. أولئك هم الذين اصطفاهم الله وانتخبهم رسول الله: عليٌّ وفاطمة والحسنان عليهما السلام، بهم خلَّد التأريخ حدثاً عظيماً يعدُّ إحدى معاجز الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأجمع المفسِّرون على أنَّ المقصود من (أنفسنا) نفس محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ونفس عليٍّ (ع).
2- عليٌّ (ع) من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخاصَّته:
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليٌّ وفاطمة والحسنان (عليهما السلام) هم المدعوون بأصحاب الكساء الخمسة، والمشار إليهم بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً﴾.
نزل الروح الأمين بهذه الآية المباركة، حينما جلَّل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً (عليهم السلام) بكساءٍ حبري، وغشَّاهم به. ثُمَّ أخرج يديه المباركتين فألوى بهما إلى السماء، ثُمَّ قال: “اللَّهمَّ هؤلاء أهل بيتي وخاصَّتي، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً”.
3- القرآن الكريم يأمر بالصلاة على آل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:
ولمَّا كان الإمام عليٌّ (ع) من أهل بيت محمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) فله شأن في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾. وممَّا لا ريب فيه كانت هذه ” الصلاة” من الواجبات في حال التشهد. لما ثبت بالتواتر حينما سألوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: كيف نصلِّي عليك يا رسول الله؟ فقال: “قولوا: اللَّهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمدٍ، كما صلَّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وآل محمدٍ كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم”.
وفي هذا الشأن أنشد الشافعي أبياته الشهيرة التي أوّلها:
يا أهل بيت رسـول الله حبُّكـمُ***فـرضٌ من الله في القـرآن أنزله
كفاكــمُ من عظيـم الشأن أنَّكمُ***مَنْ لم يُصلِّ عليكم لا صلاة له
4- عليّ (ع) يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله:
تخلَّف عليٌّ (ع) يوم الهجرة ليبيت في فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويصرف الأعداء عنه، ويؤدِّي الأمانات إلى أهلها. حتّى تكتمل رسالة الإسلام المحمَّدية، فنزل فيه قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.
5- عليٌّ (عليه السلام) وسورة الدهر:
لم يختلف أهل التفسير على أنَّ سورة “الانسان” أو “هل أتى” نزلت خاصَّةً في عليٍّ وأهل بيته (ع)، في قصَّة التصدُّق على المسكين واليتيم والأسير، ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا … إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورً﴾.
6- بعليٍّ كفى الله المؤمنين القتال:
في استبساله يوم وقعة الأحزاب قيل: إنَّ الآية المباركة: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾. نزلت في الإمام عليٍّ (ع). حتى أنَّ ابن مسعود كان يقرأ الآية: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ بعليٍّ بن أبي طالب (ع).
ثانياً: في الحديث الشريف
1- أوَّلهم إسلاماً:
ومَنْ أصدق من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ قال لعليٍّ: “أنت أوَّل مَنْ آمن بي، وأنت أول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصدِّيق الأكبر، وأنت الفاروق تفرِّق بين الحقِّ والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكافرين”.
2- أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون غيره:
من يجهل حديث المؤاخاة، وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): “أنا أخوك وأنت أخي”؟! فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأخِّره حينما آخى بين المهاجرين والأنصار إلّا لنفسه، ليكون أخاه ووارثه. يرث منه ما ورّثت الأنبياء من قبله.. فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لم يكن له خطير ولا نظير من العباد وعليُّ بن أبي طالب (ع) أخوان في الدنيا والآخرة ﴿إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾.
3- وأحبُّ الخلق إلى الله:
ذات ليلة أُهدي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طير مشوي، فلم تطب نفسه أن يأكله وحده، فدعا ربَّه قائلاً: “اللَّهمَّ.. ائتني بأحبِّ الخلق إليك ليأكل معي هذا الطير” كان يتمنَّى أن يأكل معه أحبُّ الخلق إلى الله عزَّ وجلَّ لتتمَّ البركة ويعمَّ الفضل. وإذا طارق يحوم حول الباب، وكان هناك من يمنعه، يرجع ويعود يطرق الباب، حتى أذن له في الثالثة أو الرابعة. وإذا به عليُّ بن أبي طالب، ولمَّا رآه رسول الله قال: “ما حبسك عنِّي”؟! قال عليه السلام: “والذي بعثك بالحقِّ نبيَّاً إنِّي لأضربُ الباب ثلاث مرَّات ويردَّني أنس”.
هكذا التقى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أحبِّ الخلق إليه والى الله على مائدة النور.
4- إلّا باب عليٍّ:
لمّا كان لنفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبواب شارعة في المسجد النبوي الشريف، أمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بسدِّ الأبواب إلّا باب عليٍّ (ع) فتكلَّم الناس في ذلك. فلمَّا بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قولهم، قام وخطب فيهم فقال: “أمَّا بعد.. فإنِّي أُمرتُ بسدِّ هذه الأبواب إلّا باب عليٍّ، وقال فيه قائلكم، والله ما سددته ولا فتحته، ولكنِّي أُمرتُ فاتبعته”.
5- الذائد عن الحوض:
إنَّه صاحب حوض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة، يثبته قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): “كأنِّي أنظر إلى تدافع مناكب أُمَّتي على الحوض. فيقول الوارد للصادر: هل شربت؟ فيقول: نعم، والله لقد شربت، ويقول بعضهم: لا والله ما شربت فيا طول عطشاه”.
وقال لعليٍّ (ع): “والذي نبَّأ محمَّداً وأكرمه، إنَّك لذائد عن حوضي، تذود عنه رجالاً، كما يذاد البعير الصادي عن الماء، بيدك عصا من عوسج كأنِّي أنظر الى مقامك من حوضي”.
وفي رواية عن عليٍّ (ع) قال: “والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة، لأقمعنَّ بيدي هاتين عن الحوض أعداءنا، ولأوردنَّ أحبَّاءنا”.
6-كرَّار وليس بفرَّار:
أعلن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم خيبر أمام الأصحاب بقوله: “والذي نفسي بيده، لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله، ويحبُّه الله ورسوله، كراراً ليس بفرَّار، يفتح الله على يديه، فأرسل إليَّ وأنا أرمد، فتفل في عينيَّ وقال: اللَّهمَّ اكفه أذى الحرّ والبرد، فما وجدتُ حرَّاً بعدُ ولا برداً”.
هذه بعض الفضائل التي ذكرها أهل المناقب والسير، في حقِّ أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووصيِّه، ووزيره، وأمينه، وخليفته من بعده على أُمَّته.
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية