تقدير الكفاءة
صفة للمؤسسة الناجحة
إن الكفاءة هي أساس مهم وفعال من أسس التقدم الحضاري في المجتمع، وركن من أركان النهوض الثقافي والعلمي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي و.. الخ، وهي من مقاييس تقويم النضوج الفكري والقيادي في الحركات الاجتماعية التي تطرح برامجها للنهوض بواقع الأمة، وهي قوة وقابلية في ذات الإنسان، حباه الله تعالى بها، ودعاه لاكتشافها وتنميتها وتطويرها، كما تستصلح الأرض.
التنمية المؤسساتية الصادقية للكفاءات
من مواصفات المؤسسة الناجحة والهادفة والمثمرة عبر أجيالها (حوزة الإمام الصادق ع أنموذجاً) توفر الصفة التنموية تجاه موضوع الكفاءة من خلال:
أولاً: الإشراف المباشر من الإمام الصادق عليه السلام على إعداد الكفاءات العالمة، وتهيئة الطاقات المبلغة، بل والبحث عنها واكتشافها، ووضع البرامج لكي تكون المؤسسة جاذبة ومستقطبة للطاقات الكفؤة، لا طاردة لها وزاهدة فيها، فقد تميزت مدرسة الإمام الصادق ع بأنها مؤسسة جاذبة للكفاءات، بدءاً باتباع أهل البيت ع، وانتهاء بكل طاقة علمية تنجذب للإمام الصادق ع وتجلس تحت منبره، وتنتفع من معين علمه، فقد أخذ عنه عليه السلام عدّة من أعلام السنّة وأئمتهم، وعدّوا أخذهم عنه منقبة شرّفوا بها، وفضيلة اكتسبوها، ومنهم أبو حنيفة ومالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وأيوب السجستاني والقطن ويحيى بن سعيد الأنصاري وغيرهم.
ثانياً: إحاطة الكفاءة بالتقدير والاحترام في بيئتها العلمية و الاجتماعية، ووضع صاحبها في مكانه المناسب الذي من خلاله يمكن أن ينتج ويبدع ويقدم، يروي في سلوك الإمام الصادق ع مع هشام بن الحكم العالم المبلغ العامل، فقد رفعه في الشيوخ وهو غلام وقال: (هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده) (١)، كما وصفه بقوله: (هشام بن الحكم رائد حقنا، وسائق قولنا، المؤيد لصدقنا، والدافع لباطل أعدائنا، من تبعه وتبع أثره تبعنا، ومن خالفه وألحد فيه فقد عادانا وألحد فينا) (٢).
ثالثاً: الرعاية للكفاءات بنوعيها:
أ _ المادية: بتوفير وسائل العيش الكريم للكفاءات المعطاءة العاملة المنتجة، وتفقدهم، ووصلهم، وحفظ كرامتهم أمام المجتمع، وتهيأت الخدمات اللازمة لفاعليتهم ونشاطهم.
ب _ الرعاية المعنوية: التي تشعر طالب العلم الكفوء العامل بقيمة ذاته واعتباره في المؤسسة التي ينتمي إليها، ويعمل فيها، وهذا ماكان يرسخه الإمام الصادق ع في نفوس تلامذته ومريديه الذين يمثلون الديباجة الحوزوية العاملة المبلغة عن الإسلام ومدرسة أهل البيت ع، والتي من صورها مدحه وثناؤه عل أصحابه وتلامذته:
(بشر المخبتين بالجنة، بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست)(٣)
رابعاً: الإشادة العلمية بأصحابه العلماء وتلامذته المبلغين، وتقديمهم للمهام العلمية والتبليغية، وهذا يعكس اعتزاز الإمام الصادق ع بطلابه، وتثمينه لكفاءاتهم، وهو مؤشر إيجابي لتماسك المؤسسة من الداخل، وارتكازها عل اعمدتها العلمية، وعدم استشعارها النقص، أو سعيها لاستيراد الكفاءة من الخارج لسد العجز النفسي الذي تخلقه عقد النقص الداخلي، وفي هذا دروس عميقة لإصلاح واقع المؤسسات، والنهوض بواقع عملها الإداري والتنظيمي والتبليغي.
( يقول هشام بن سالم كنا عند أبي عبد الله ع جماعة من أصحابه فورد رجل من أهل الشام فاستأذن بالجلوس فأذن له، فلما دخل سّلم فأمره أبو عبد الله ع بالجلوس ثم قال له: ما حاجتك أيها الرجل؟ قال: بلغني أنك عالم بكل ما تسأل عنه فصرت إليك لأناظرك، فقال أبو عبد الله ع في ماذا؟ قال: في القرآن، فقال أبو عبد الله ع يا حمران بن أعين دونك الرجل، فقال الرجل: إنما أريدك أنت لا حمران، فقال أبو عبد الله: إن غلبت حمران فقد غلبتني… )(٤)
ختامها تأمل وإفادة
ما تقدم… يجعل العاملين المخلصين الهادفين قولاً وعملاً وتنظيراً وتطبيقاً أينما كانوا في تفاصيل العمل الإسلامي، إن يقفوا بجدية للنظر في مؤسساتهم بمختلف اشكالها وعنواناتها، وأن يراجعوا بمسؤولية وصدق موضوع تنمية الكفاءات واحتضانها واحترامها والإفادة من وجودها، واستثمار عطائها، وتكريمها، وألا يكون تثمينها بعد الوفاة
(سيذكرني قومي إذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر)
السلام على صادق العترة
ورحمة الله وبركاته
___
الهوامش :
١. الكافي، الكليني، ج ١ ص ١٧٢
٢ . معالم العلماء، ابن شهراشوب : ص١٢٨، الرقم ٨٦٢
٣.الوسائل، الحر العاملي، ج ٢٧ ص ١٤٢
٤. البحار ، المجلسي، ج٤٨، ص ٤٠٨
الشيخ عمار الشتيلي
النجف الأشرف
١٨ ربيع ١ _١٤٤٥ هج
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية