في السابع عشر من ربيع الأول ووسط مظاهر البهجة والسرور والاحتفاء بذكرى مولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولد حفيده النور الثامن الإِمام السادس أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق الأمين ينبوع العلم ومعدن الحكمة واليقين (سلام الله عليه) وكانت ولادته (عليه السلام) بالمدينة يوم الاثنين عام 83هـ.
اسمه الكريم جعفر، وكنيته أبو عبد اللّه، و من ألقابه الصابر و الفاضل و الطاهر والصادق والأخير أشهرها.
والدته السيدة الجليلة المكرمة فاطمة، المكناة بأم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر التي قال الإمام الصادق (عليه السلام) في حقها: (كانت أمي ممن آمنت واتقت وأحسنت والله يحبّ المحسنين).
تربَّى في أحضان أبيه الإمام الباقر وجَدِّه الإمام السجَّاد (عليهما السلام)، وعنهما أخذَ (عليه السلام) علوم الشريعةِ ومعارِفَ الإسلام حيث استلم مهام الإمامة العظمى وله من العمر 34 سنة وذلك في سنة117هـ.
لقد كان (عليه السلام) من الفضل بمكان يقر له العدو والصديق، التف حوله العلماء والفقهاء والقراء كافة، كلهم كانوا يجلسون تحت منبر درسه وينهلون من رحيق أنفاسه علما وأدبا وحكمة، فكان أعلم الأمة في زمانه بلا منافس وقد شقَّق العلوم بفكره الثاقب وبصره الدقيق، حتَّى ملأ الدنيا بعلومه، وأدلى (عليه السلام ) بحديث أعرب فيه عن سعة علومه فقال: (والله إني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنه في كفي، فيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان، وخبر ما هو كائن، قال الله عزَّ وجلَّ: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَـبَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء).
وقد كان من مظاهر سعة علمه أنه قد ارتوى من بحر علومه أربعة آلاف طالب، وقد أشاعوا العلم والثقافة في جميع الحضارات الإسلامية ونشروا معالم الدين وأحكام الشريعة.
من حكمه ومواعظه
قال عليه السلام لحمران بن أعين: (يا حمران أنظر من هو دونك في المقدرة ولا تنظر إلى من هو فوقك، فإنّ ذلك أقنع بما قسم الله لك وأحرى أن تستوجب الزيادة منه عز وجل، وأعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين، وأعلم أنه لا ورع أنفع من تجنّب محارم الله والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم ولا عيش أهنأ من حسن الخلق ولا مال أنفع من القناعة باليسير المجزيء ولا جهل أضرّ من العجب).
قال عليه السلام: (إن قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل وإن عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تتصنع ولا تداهن، صومعة المسلم بيته يحبس فيه نفسه وبصره ولسانه وفرجه….).
قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام: أوصني، قال: (أعدّ جهازك وقدّم زادك وكن وصيّ نفسك ولا تقل لغيرك يبعث اليك بما يصلحك).
قال عليه السلام في وصيته لعبد الله بن جندب: (… يا ابن جندب أقل النوم بالليل والكلام بالنهار، فما الجسد شيء أقل شكراً من العين واللسان فان أم سليمان قالت لسليمان عليه السلام: يا بني إياك والنوم فإنه يفقرك يوم يحتاج الناس إلى أعمالهم.