في الحلقة الرابعة من الخطاب الفاطمي السنوي الرابع عشر الذي ألقاه المرجع اليعقوبي يتأسى بالزهراء (عليها السلام) ويخلد مظلوميته التي هي مظلومية أمة ويفضح المتاجرين بالدين
لا يخفى على المؤمنين الرساليين الذين طالعوا سيرة الزهراء (عليها السلام) واطلعوا على الخطابات الفاطمية السنوية التي يلقيها المرجع اليعقوبي يوم ذكرى استشهاد الزهراء (عليها السلام) على المؤمنين المعزين الذين جاءوا من مختلف محافظات العراق لتعزية أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذه الفاجعة الأليمة أن الزهراء (عليها السلام) خلدت مظلوميتها لفضح المنقلبين لأن مظلوميتها هي مظلومية أمة وقد قال المرجع اليعقوبي في بيان سنّ زيارة مخصوصة إلـى مرقد أمير المؤمنيـن (عليه السلام) في ذكرى وفاة الصديقة الزهراء (عليها السلام) : (للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) فضل كبير على الأمة؛ لأنها دافعت بقوة وبشجاعة عن المسار الصحيح لحركة الإسلام ووقفت في وجه الانحراف ولولا ذلك الموقف العظيم لما بقي رسم للنهج المحمدي الأصيل ولعبثت به أيدي التزوير والحقد والحسد.
وخلدت ذاك الموقف بمظلوميتها وتشييعها ودفنها سراً وإعفاء موضع قبرها ليبقى هذا التساؤل المؤلم شاخصا في أذهان الأجيال:
ولأي الأمور تدفن ليلاً * بضعة المصطفى ويُعفى ثراها؟ )[1]
وأكد على ذلك سماحته في خطابه الفاطمي السنوي الأول حيث قال : (ولم تسكت الزهراء عن الظالمين والمنحرفين والفاسدين والمتاجرين بالدين والمتسلطين على رقاب الأمة بغير حق، وخلّدت هذه الثورة بتساؤلات تدفع كل باحث عن الحقيقة إلى التحقيق والتمحيص حتى يهتدي بنور فاطمة، لماذا تغادر فاطمة الدنيا وهي ابنة ثمانية عشر عاماً في عمر الزهور؟
ولماذا تدفن سراً في الليل ولا يحضر دفنها كل أصحاب أبيها عدا عدد الأصابع ممن اختارتهم هي وأمير المؤمنين! ولماذا يُعفى موضع قبرها؟ )[2] وقد كتبت مقالا بهذا الخصوص بعنوان (الزهراء (عليها السلام) والتخطيط الاستراتيجي لديمومة مظلوميتها .. وموقف عمر بن الخطاب منه !)[3] بيّنت فيه كيف أن مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) خططت وساعدها أمير المؤمنين (عليه السلام) في تنفيذه على تخليد مظلوميته لفضح المنقلبين واستشعر المنقلبون خطورة ذلك فواجهوا ولكن فشلوا نتيجة شجاعة وصلابة وثبات أمير المؤمنين (عليه السلام) في تنفيذ وصيته السيدة الزهراء (عليها السلام) وهكذا خلد الأئمة مظلوميتهم.
وتأست القيادة الحقة النائبة عن المعصوم بالمعصومين (عليهم السلام) في تخليد مظلوميتهم فمثلا السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) خلد مظلوميته وفضح المتاجرين بالدين بكلماته ومواقفه وكان أهم المواقف التي خلد فيها مظلوميته هي صلاة الجمعة ومواقف المتاجرين بالدين منه ومنها وقد قال من على منبر الجمعة في مسجد الكوفة:
(انه قالت جماعة من الحوزة، ولعلها لازالت تقول ان إقامة صلاة الجمعة فتنة! وإنما الفتنة هم الذين فتحوها بإصرارهم على عدم الحضور … ولو حضروا لكان الانتصار أكثر واتحاد الحوزة والمذهب أكثر … حتى انني قلت انه بغض النظر عن السلاح فإننا نستطيع عندئذ من الناحية المعنوية أن نواجه إسرائيل نفسها .. ونقول لها كلا ثم كلا ارجعي من حيث أتيت .. فهم بعدم حضورهم قد ألقحوا الفتنة وأوجدوها ونصروا أعداء الدين والمذهب مع شديد الأسف من حيث يعلمون أو لا يعلمون.)[4]
وفي جمعة أخرى وقبيل استشهاده بفترة قصيرة قال (قدس سره):
(النقطة الأخرى التي أريد أن أشير إليها أن جماعة من وكلاء الحوزة الأخرى يوزعون اموال كثيرة لقضاء حاجة المحتاجين جزاهم الله خير جزاء المحسنين. إلا أن الإشكال في أن هذا التوزيع هل هو من اجل الاخرة ام هو من اجل الدنيا … في الحقيقة في حدود فهمي انه لأجل مضادة السيد محمد الصدر. ولأجل مضادة النتائج التي أعطاها الله لنا بفضله وحسن توفيقه حتى أن أخبار الثقاة تقول: أنه يعطى المال لشخص من رجال الحوزة ويقال له: لا تدعو إلى السيد محمد الصدر فأريد أن أعرفكم على هذه الحقيقة الخبيثة أيضا.)[5]
ولقاء الحنانة بأجزائه الثلاثة واللقاءات المسجلة الأخرى التي أجريت مع السيد الشهيد الصدر (قدس سره) مليئة بالكلمات والمواقف التي تخلد مظلوميته وتكشف زيف المتاجرين في الدين.[6]
وها هو المرجع اليعقوبي أيضا يسير على ما سار عليه المعصومون (عليهم السلام) والقيادات النائبة الحقة ويخلد مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) ومظلومية أستاذه ومظلوميته وهذه المظلمات هي مظلومية أمة ومن أهم ما خلد به هذه المظلمات .. سن زيارة فاطمة الزهراء (عليها السلام) والقانون الجعفري وقد فضح المتاجرون بالدين أنفسهم بأنفسهم من خلال مواقفهم من الزيارة الفاطمية والقانون الجعفري وقد ركز سماحته على ذلك في كلمات عديدة منها (نعيب زماننا والعيب فينا رزية يوم الثلاثاء نموذجا)[7] و (وماذا بعد رزية الثلاثاء)[8] و (معالم النجاح في الزيارات المليونية)[9] و (اعتراف الغرب بعظمة التشريع الإسلامي)[10] و (جواب المعترضين على القانون الجعفري)[11] و (السيدة الزهراء (عليها السلام) وإقامة حكم الله تعالى)[12] وكلمة (كن في الصف الذي فيه علي بن أبي طالب (عليه السلام))[13] وكلمة (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) سنة الاستبدال)( ) وكلمة (زيارة عاشوراء والبراءة من اعداء الله تعالى) ( ) وكلمة (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)[4] وغيرها من الكلمات …
لا نستغرب من تركيز المرجع اليعقوبي (عليه السلام) على مسألة القانون الجعفري لأن التركيز عليه يفضح المتاجرين بالدين (فاذا طلبت منهم، إقامة شريعة الله تعالى والالتزام بقوانينها عارضوك ووصفوها بأنها رجعية وتخلّف أو أن الوقت غير مناسب لتطبيقها، لاحظوا معي هذا المشهد لهم يوم القيامة (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنعام:27).
فكل إعراض عن الشريعة وصدُّ عنها وعن العمل بها هو تفريط في جنب الله تعالى …)[15]