ونحن نعيش ذكرى وفاة إمامنا الهادي “ع”، لابد وأن نطل إطلالة سريعة على سيرته ونقتبس شيئاً من سيرته وتوجيهاته.
ولد الإمام سنة 212هـ وفقد أباه الإمام الجواد سنة 220 وعمره ثمان سنوات، وحينما ارتحل للرفيق الأعلى سنة 254هـ كان عمره الشريف 42 سنة. وعاصر الإمام عدداً من الخلفاء العباسيين كالمعتصم والواثق والمتوكل والمعتز، هؤلاء الخلفاء الذين عانت الأمة بشكل عام من سياساتهم الظالمة، وعانى أهل البيت بشكل خاص من قمعهم وقسوتهم، وأشدهم المتوكل العباسي، الذي استمرت سلطته 15 عاماً. وكان هذا الخليفة شديداً على أهل البيت وشيعتهم، وهو الذي أمر بهدم قبر الإمام الحسين والدور المحيطة به، ومنع الناس من زيارته.
وفي واحدة من أقسى المحطات التي مرت بحياة الإمام، أمر المتوكل بجلب الإمام الهادي من المدينة إلى سامراء حيث كان يقيم، وكان ذلك بعد سنتين من تولي المتوكل الحكم الذي صادف سنة 232هـ. ولقد كانت تلك الخطوة محطة مؤلمة في حياة الإمام، فقد أجبر على مفارقة حرم جده رسول الله، والانفصال عن الأجواء التي يتواصل فيها مع جمهوره وتلامذته. ولا يخفى أن الهدف من ذلك الإجراء هو عزل الإمام عن الناس وإبقاؤه تحت رقابة السلطة.
وهذا ما جرى بالفعل، فقد بقي تحت الإقامة الجبرية برفقه ولده الإمام الحسن العسكري “ع”، فلا أحد يتواصل معهما إلا تحت رقابة السلطة، وبالرغم من بقاءه رهن الإقامة الجبرية، إلا أنه كان يؤخذ إلى السجن بين الفينة والأخرى. وقد حدث صقر بن أبي دلف الذي استطاع أن يصل إلى الإمام في سجنه بحيلة عبر علاقته مع أحد مشرفي السجن، فدخل عليه يوماً فوجده في غرفة على حصير وبإزائه قبر محفور قد أمر المتوكل بحفره لإرهاب الإمام، فالتفت إليه الإمام بحنان ولطف وقال: يا صقر ما أتى بك؟ قال صقر: جئت لأتعرف على خبرك، وأجهش صقر بالبكاء. فقال: يا صقر لا عليك لن يصلوا إلينا بسوء. فهدأ روعه وحمد الله على ذلك وسأل الإمام عن بعض المسائل فأجابه عنها وانصرف.
وضمن أشكال التعسف التي واجهها الإمام ما عانى منه من تسلق جنود الخليفة وبأمر شخصي منه لدار الإمام ليلاً، والشروع في تفتيشه واقتياده للخليفة وهو على الوضعية التي يكون عليها، وقد اقتيد الإمام ذات ليلة إلى المتوكل وقد كان الأخير في مجلس شرب وسكر، وإذا به يعرض الكأس، بكل صفاقة، على الإمام، فقال الإمام “ع” (ما خامر لحمي ودمي قط فاعفني).
هكذا عانى الإمام الهادي في ظل السلطات الجائرة إلى عهد المعتمد العباسي الذي دس له السم وتوفي على أثر ذلك كما تشير إحدى الروايات.
هذا الإمام ومع كل هذه الظروف الصعبة ظل يسعى باستمرار وبمختلف السبل للقيام بدوره في تربية العلماء والكوادر الرسالية، وبث التعاليم والمعارف من أجل أن تستفيد منها جماهير الأمة.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للأعمال الصالحة وأن يجعل حياتنا في الآخرة هانئة بجوار نبينا وآله صلوات الله عليهم أجمعين.
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية