مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) العلمية:
لقد بلغ الازدهار العلمي والفكري غايته في عهد الإمام الصادق (عليه السلام) فازدهرت المدينة المنوّرة وزخرت بطلاب العلوم ووفود الأقطار الإسلامية، وانتظمت فيها حلقات الدرس، وكان بيته كجامعة إسلامية يزدحم فيه رجال العلم وحملة الحديث من مختلف الطبقات ينتهلون من معين علمه. ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان (الصواعق المحرقة/ 199).
عن عبد الأعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبدا لله(عليه السلام) يقول: قد ولدني رسول الله’، وأنا أعلم كتاب الله وفيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة وفيه خبر السماء والأرض، وخبر الجنّة، وخبر النار، وخبر ما كان وما هو كائن، اعلم ذلك كأني انظر إلى كفّي، إن الله يقول: (فيه تبيان كل شيء)» الكافي: 1/61،).
ـ عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: «علّم رسول الله’ عليّاً(عليه السلام) ألف باب، يفتح كل باب منها ألف باب، إلى أن قال: فإن عندنا الجامعة، صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله’ وإملائه من فلق فيه وخطّ علي(عليه السلام) بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكلّ شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش، وضرب بيده، إلي فقال لي: تأذن لي يا أبا محمّد؟ قال: قلت: جعلت فداك، إنّما أنا لك، فاصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده ثم قال: «حتى أرش هذا ـ كأنه مغضب ـ».
ـ عن الحسين بن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «إن عندي الجفر الأبيض»، قال: قلت: فأي شيء فيه؟ قال: «زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما ازعم أن فيه قرآناً وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة، ونصف الجلدة، وربع الجلدة، وارش الخدش»(الكافي: 1/240،).
وإلى هذا أشار الجاحظ – وهو من شاهد علماء القرن الثالث >جعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه. ووصفه أبو حنيفة بأنه(عليه السلام) أعلم الأمة فقال: >ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد وأنّه أعلم الأمة<(
ويروي أبو حنيفة بأن المنصور العباسي قال له: بأن الناس (ولعوا بجعفر بن محمد وهم يتوافدون عليه باستمرار، فاجمع له من المسائل المستعصية واسأله عن جوابها فإن هو عجز عن الإجابة عليها سقط في أعين الناس، فجمعت له أربعين مسألة مما تصعب الإجابة عليه< ثم التقى أبو حنيفة الإمام الصادق(عليه السلام) بحضور المنصور..، فالتفت المنصور إلى أبي حنيفة وقال: أعرض ما لديك من مسائل على أبي عبد الله، فألقيت عليه المسائل التي أعددتها الواحدة تلو الأخرى وهو يجيب قائلاً:
رأيكم في القضية الفلانية كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا. وكان رأيه في قسم من المسائل يوافق رأينا، وفي مسائل أخرى يوافق رأي أهل المدينة وبعضها يختلف عن الجانبين، حتى أجاب عن أربعين سؤالاً، وعند انتهاء الأسئلة قال أبو حنيفة مشيراً إلى الإمام الصادق(عليه السلام): إن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.
لذلك نجدُ العلماءَ، والفقهاءَ، والمحدِّثينَ، والفلاسفَةَ، والمتكلِّمينَ، وعُلمَاءَ الطبيعةِ، وغيرهم، يشهَدونَ بِمَجْدِ الإمامِ الصادق (عليه السلام) العِلمي، ويشيدُونَ بِمَقَامِه.
فقال الشيخ المفيد: ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتَشَر ذِكرُه في البُلدان.
فإنَّ أصحابَ الحَديثِ قد جمعوا أسمَاءَ الرُوَاة عنه من الثُقَاتِ على اختلافهم في الآراء والمقالات، فَكَانوا أربعَةَ آلافِ رَجُل.
ويقولُ أحدُ الرُوَاة: أدركْتُ في هَذا المَسجِد [مسجد الكوفة] تِسعمِائةَ شيخٍ، كلٌّ يَقول: حَدَّثني جَعفَر بن مُحمَّد (عليهما السلام).
وقد شهد القاصي والداني، والمُؤالف والمخالف، أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) هو صاحب المقام العلميِّ الرفيع، الذي لا ينازعه فيه أحد.
حتى توافدت كلمات الثناء، والإكبار، والإعجاب عليه (عليه السلام)، من قِبَل الحكَّام، وأئمَّة المذاهب، والعلماء، والمؤرِّخين، وأصحاب السِيَر، وتراجم الرجال، ما تزدحم، فلا يجمعها إلاَّ كتاب.
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية