كل عام في جمادي، ترتقي القلوب من القمم الأعالي ، كي ترمق بصرها إلى أشرعة الخطاب الفاطمي وهو يشق أمواج الفتن ليأتي محملًا بعبق الروح من نور القرآن والقيام الفاطمي، يرسم لنا طرق النجاة والهداية، لكل ظرف سبيل حل وطوق نجاة.
فبعد حث المؤمنين في العام الماضي للإيواء إلى الكهف المعنوي الحصين والابتعاد عن كل ما يجر المؤمن إلى مهالك الفتنة والطيش والانخداع بالمظاهر، والركون للعناوين الخداعة، وان يعملوا على تربية أنفسهم وذلك بمباينة اهل المعاصي والابتعاد عن سلوكهم وتصرفاتهم وفسادهم.
يبحر الخطاب الفاطمي اليوم بمن نجح في الاختبار يشق طريق الإصلاح بتشخيص أهم مسببات الفساد وهي الفتنة، متحصناً بمصاديق الكهف المعنوي ومتمسكًا به على طول الخط.
فقد جاء خطاب هذا العام محذراً ومنذراً كالعادة، وموبخاً تارة، لكن الطريقة مختلفة، فقد وضع ( الربّان ) أصبع العلاج على مركز دمبلة الداء ومصدر الفتن والكسل والإنحراف، عبّر عنها بالحالة المنافقة التي هي مصدر الفتن، يقع بها بعض أفراد المجتمع الذين ( في إيمانهم نقص وفي قلوبهم شك )ويستثنى من هذه الحالة المرضية( المؤمنون الصالحون السباقون لطاعة الله تعالى ورسوله ” صلى الله عليه وآله ” من دون تردد ومناقشة )، وقد شخّص الخطاب مَن تقع عليهم المسؤولية وحذرهم من السقوط في الفتنة وحدد عناوينهم العامة وهم:
أولا. الذين يتبعون أهواءهم ويتنصلون عن مسؤولياتهم الاجتماعية وواجباتهم تجاه دينهم وأمتهم ( يسوّقون أعذارًا)، وهؤلاء مسؤوليتهم جسيمة وامتحانهم أصعب؛ لأنهم ضمن إطار الخط الصالح، ويكون تأثيرهم واضح في إشاعة الإحباط والتكاسل فيمن تقع عليهم مهمة الإصلاح حد الخذلان.
ثانيًا. الذين يقدمون أعذارًا واهية وتسويقها بعناوين ومصطلحات دينية لتمريرها، وتحصيل المصالح الشخصية. وهذه -الحالة المنحرفة- موجودة على كل المستويات وبيّن الخطاب، أخطرها ما حصل بعد رحيل رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” من إنقلاب الذي جّر ( الويلات والكوارث على الأمة من تحريف الدين وسفك الدماء وهدر الأموال وتسلط الأشرار وضياع القيم والمبادئ الإنسانية)، وهؤلاء قد وقفت السيدة الزهراء ” عليها السلام ” في وجههم وعرّفت الأمة بالإنحراف القادم الذي لن يسلم منه جيل إلا من اتخذ طريق الهداية والصلاح وكان الثمن غالياً.
ثالثًا. يخلص التحذير إلى خطر الفتنة المستمر ما بين تصدي اولائك المدعين وما جروه من ويلات، وتصدي غير المؤهلين في هذا الزمن الذي سيجر الويلات على هذا الجيل والأجيال اللاحقة.
ومن تبعاته ما بينته النقطة الرابعة التالية:
رابعًا. حدد سماحة المرجع حالة الخراب الذي ينتظر العراق بسبب تصدي غير المؤهلين أو المخادعين الذين يصلون إلى سدة تولي أمور الأمة عن طريق عدة وسائل وأساليب كل بحسبه وموقعه منها:
( – الخداع والمكر وهو ما يصل عن طريقه المتقمصين للقيادة.
⁃ الانقلابات العسكرية التي تأتي بالدكتاتورية المقيتة.
⁃ الانتخابات المزورة التي توصل غير المؤهلين شرعًا وقانونًا لقيادة البلد.
⁃ أو عن طريق المال السياسي الذي يسلط الفاسدين فينتشر الفساد في ربوع الوطن ).
وهنا يترتب على الأمة أن تتحلى بالوعي والهمة، لقطع الطريق على من يتخذ تلك الوسائل الشيطانية لتحقيق غايات وأجندات تؤدي إلى تمزيق المجتمع وتسبب الخراب.
خامسًا. وكنتيجة للحالة المنافقة التي -أشار لها الخطاب- ونفوذ المنافقين، بسبب تقاعس المؤمنين عن أداء تكاليفهم ومسؤولياتهم، يؤول الحال إلى:
( – إنتشار الفساد والإنحلال.
⁃ تسرق ثروات الشعب، وتهدر كرامته.
⁃ تسفك الدماء المحرّمة، وتشيع الفوضى.
⁃ يختل النظام والأمن، وتضيع العدالة الاجتماعية.
⁃ وختامًا يؤول أمر البلاد إلى الخراب).
هذه النتيجة المحتومة ومقدماتها عين ما نشاهدها اليوم في بلدنا، ولا أحد يبالي بها بشكل جدي، إلا من رفع راية الزهراء ” عليها السلام ” وهبَّ لنصرتها ونصرة قضيتها التي حذرت الناس من أسباب عدم الأخذ بها وجرى عليهم ما جرى، ويجري علينا اليوم ما يجري من إنحراف كبير ومظلومية عظيمة يغفل عن نصرتها الكثير وهم أقرب للسقوط في هاوية الفتنة التي حذرت الزهراء ” عليها السلام ” منها ويحذر المرجع اليعقوبي اليوم.
فإن ما حصل ويحصل من أحداث مأساوية تشير إلى أمور البلد تتجه إلى أن ( تشيع الفوضى ويختل النظام والأمن وتضيع العدالة الاجتماعية )، ولعمري هذا إستشراف وتحذير غاية في الأهمية، على المجتمع الإنتباه والسعي الجاد لتضييع الفرصة على من يريد بالبلد سوءًا وهدم أركان الدولة وتحويلها إلى مقاطعات تجبى من خلالها الثمرات للجيوب الخاصة، ويتحمل الشعب التبعات نتيجة سوء اختياراته، فإن الديموقراطية المغلفة التي أتت بمثل ترامب ستأتي بمن هو أسوء منه في عراقنا فيقوده نحو الهاوية لا سمح الله.
والعاقبة للمتقين الواعين المطيعين.
بقلم: علي الازيرجاوي