قراءة في كلمة المرجع اليعقوبي (لطيفة قرآنية . . . لا توقّف في عمل المؤمن الرسالي)، على الأمة أن تستيقظ وتعي مسؤوليتها وتقوم بواجبها وتطيع قادتها، حتى لا تحرم من بركات وجود القيادة الرسالية.
عندما نقلب صفحات التاريخ نرى أنه حينما تخاذل الكثير من أتباع أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أداء واجبهم تجاهه وتكاسلوا وتقاعسوا عن تنفيذ أوامره. تقوضت أطراف دولته المباركة وانحسرت سلطته حتى حوصر في الكوفة وسط مجتمع متباين مشكك متردد متخاذل. حتى ذهب شهيداً (سلام الله عليه) وأما الإمام الحسن (عليه السلام) فتكاسل وتقاعس وتخاذل أتباعه أجبره على عقد الصلح الذي هو إعادة أمر الأمة إليها. لأن القيادة الدينية متى ما شعرت إن الأمة قد تغيرت، وأنها لا تريد هذه القيادة وهذا النظام، ولم تعد مستعدة للدفاع عنهما ونصرتهما، بسبب شقوتها وسوء اختيارها ولانسياقها وراء الشهوات وحب الدنيا والإخلاد إلى الأرض وتزيين الشيطان وتضليل الأعداء.
فإن الإمام و القائد يعيد إليها أمرها وليتولاه من تشاء إن كانت لها أراده، أو يتولاها من يقهر إرادتها ويتسلط عليها بالقوة[1]. وبعد ذلك مضى (عليه السلام) شهيداً مسموماً. وفي فترة إمامة الحسين (عليه السلام) شارفت الأمة على الموت وأصبح الإسلام في خطر نتيجة لضعف الأمة فقدم (سلام الله عليه) نفسه وأهله وخيرة أصحابه (رضوان الله عليهم) قرباناً للدين وإحداث هزة عنيفة في الأمة لكي تستيقظ. وهكذا كلما تقاعست الأمة وتكاسلت وركنت إلى الدنيا ابتلوا بزوال القيادة الرسالية وهذه الحالة مستمرة حتى في زمن القيادة النائبة عن المعصوم في زمن الغيبة الكبرى…
وحياة وسيرة الشهيد الصدر الأول (قدس سره) مثال قريب عاشته الأمة … وكذلك حياة وسيرة الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) الذي كان رحيله سريعاً. بسبب التقاعس والتكاسل وعدم انضباط الأتباع بتوجيهاته فقد ذكر السيد الشهيد (قدس سره) في الجمعة السابعة والعشرين تراجع الكثير من المؤمنين عن حضور صلاة الجمعة. حيث قال (قدس سره): (إننا نسمع – فكرك معي- أن بعض صلوات الجمعة يكون عددها كثيرا أولا، ثم يقل عددها ويتضاءل، وهذا معناه أن بعض من حضر فعلا، واقتنع بصحتها وصلاها، انه تركها واعرض عنها – لماذا هكذا يحدث حبيبي – مع العلم أننا حينما نتكلم عن المجتمع ككل فانه لا يحتمل أن يكون كل هؤلاء التاركين لصلاة الجمعة معذورين فيها. وإنما معناه أنهم تركوها تسامحاً وتساهلاً وهذا هو الذي أُريد أن أؤكِّد وأُركِّز عليه الآن من حيث أن هذا التسامح والتساهل إنما هو تسامح في الدين وتساهل في ولاية أمير المؤمنين. بعد اتضاح المعاني الأساسية لهذه الصلاة المقدسة وما فيها من مصالح وعبر وجلالة.
والمفروض بكل فرد أن يطيع أمر الولاية ويذهب إلى الصلاة وكذلك باعتبار اجتماع العدد المعتبر في وجوب صلاة الجمعة وهو متوفر وكثير بحمد الله. فتكون الصلاة واجبا تعيينيا …). وذكر (قدس سره) حجج بعض الذين تراجعوا عن حضور صلاة الجمعة متحججين بالشك بعدالة إمام الجماعة وإنما إلى الشك في قدرته على الأداء الصحيح و… وقال (فهل يستلزم كل ذلك ترك الجمعة وعصيان الأمر الشرعي بحضورها كلا طبعا)[2].
وأما فيما يخص عدم الطاعة والالتزام بتوجيهاته ففي الجمعة السابعة والعشرين بعد أن تحدث (قدس سره) عن الهتافات والأهازيج وضرورة الانضباط والحذر. قال: (وإذا كانت هناك شجاعة إن شاء الله تعالى، فاصرفوها بحذر وبشكل مدروس، وبالأساس مع الاستئذان من الحوزة العلمية الشريفة، وليس باتخاذ عمل أو قرار بالاستقلال عنها، ومن دون الاستئذان منها والعياذ بالله)[3].
ولكن بعض أئمة الجمع والمؤمنين لم يلتزموا بهذه التوجيهات فوقعت حادثة الناصرية وخرجت تظاهرات عقب اعتقال الشيخ أوس الخفاجي بقيادة الشيخ أسعد الناصري. من دون الرجوع للسيد الشهيد الصدر (قدس سره)[4] وهذا التصرف غير المنضبط عجل باستشهاد السيد الشهيد الصدر. لهذا كرر (قدس سره) بعد هذه الحادثة توجيهاته (النقطة الثانية: أن هناك أفعال وأقوال مخلصة ولكنها بالتأكيد غير مسؤولة وهي مستعجلة بكل تأكيد من قبيل الهتافات الزائدة التي تصدر من قبل جماعة من المؤمنين وقد رأينا ما لها من المضاعفات وأنا قلت بتوصيتين وأكررهما:
أولاً: لا تقل قولا ولا تفعل فعلا إلا بعد السؤال عن الحوزة العلمية.
ثانياً: لا تقل قولا ولا تفعل فعلا منافيا لوجود صلاة الجمعة لأجل إحراز بقاء صلاة الجمعة فان هذه النتيجة أهم من كل الهتافات لو صح التعبير ولا شك أن ما حدث كان فيه غفلة أو تغافلا عن هذين التعليمين الإلزاميين فالرجاء أن تأخذوه مستقبلا بنظر الاعتبار جداً)[5]
فالتكاسل والتقاعس عن طاعة القيادة الرسالية وعدم الالتزام بتوجيهاتها عجل برحيلها وهذا ما حدث للسيد الشهيد الصدر (قدس سره) ويحدث لأي قائد مصلح.
والذي يتأمل في كلمة المرجع اليعقوبي (دام ظله) وينظر إلى الواقع يجد واقعا مؤلما لا شك أنه قد آلم قلب القيادة الرسالية كثيراً. وذلك بسبب جهل الأمة بمسؤولياتها وتقاعسها وتكاسلها عن القيام بواجباتها وتخاذلها عن قيادتها الرسالية والأشد إيلاماً هو عدم شعور الأمة بتقصيرها. وحتى إن علم بعض أفرادها تقصيرهم يضعون مبررات وحجج واهية لهذا التقصير حتى يدفعوا عن أنفسهم المسؤولية ويتخلصوا من تأنيب الضمير!!
إن من نعم الله العظيمة هي وجود القيادة الرسالية العاملة المخلصة والنعم إذا كفرت زالت والعياذ بالله
كتب السيد الشهيد الصدر (قدس سره): ( من نعم الله سبحانه على الدين والمذهب عامة وعليّ خاصةً وأنا العبد الخاطئ الذليل أن رزقني عدداً لا يستهان به من الطلاب الفضلاء المخلصين وأهل الهمم المجدّين جزاهم الله جميعاً خير جزاء المحسنين ومن أهمهم هذا الشيخ الجليل والعلامة النبيل المفضال الشيخ محمد موسى اليعقوبي (دام عزُه)، فقد ألتزم دروسنا في علم الأصول وأنالها العناية الكافية فهماً وكتابةً ومدارسةً . . .
أتمنى له المستقبل الزاهر في خدمة العلم والعمل وأن يكون من المراجع المخلصين والقادة الطيبين جزاه الله خير جزاء المحسنين )[6]
وقال المرجع اليعقوبي (دام ظله): (المرجعية المخلصة العاملة نعمة ولها حقوق)[7]
وفي موضع آخر قال سماحته (دام ظله): (علينا أن نتذكر أن من كفر النعمة عدم إظهارها والتحديث بها وعدم القيام بحقوقها كما دلّت عليه الروايات)[8]
ومما يحسن اقتباسه من أقوال المعصومين (عليهم السلام) لمعرفة حقيقة وواقع حالنا قول أمير المؤمنين (عليه السلام): شر الناس من لا يشكر النعمة[9] وقوله (عليه السلام): شكر النعمة أمان من حلول النقمة[10]. وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث له: لا زوال للنعماء إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت ، والشكر زيادة في النعم وأمان من الغير[11].
فعلينا المحافظة على النعمة بشكرها قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): النعم تدوم بالشكر[12].
وشكرها يكون بإظهارها والتحديث بها والقيام بحقوقها …
قال الإمام الجواد (عليه السلام): نعمة لا تشكر كسيئة لا تغفر[13].
ومن هذا الحديث نفهم قول المرجعية الرسالية العاملة المخلصة: (التقصير في إيصال رؤى المرجعية الرشيدة غير مغتفر وسيحرم الأمة الكثير من الحلول والمعالجات لأزماتها ومشاكلها وما أكثرها في عالم اليوم)[14].
واختم منشوري بالتأكيد على أنه لا توقف ولا تقاعد للمؤمن الرسالي وهذا ما بينه سماحته في هذه الكلمة وفي غيرها من الكلمات والتي منها ما جاء في القبس القرآني (وثبت أقدامنا)[آل عمران:147] حيث قال سماحته:
كان ديدنهم – متحدثا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته والصالحين من أتباعه- الثبات والمداومة والصبر والمصابرة حتى آخر نفس ولا معنى لـ(التقاعد) في حياتهم، وبهذا أمرت الأحاديث الشريفة بحيث جاء عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها)[15].[16]
(اللهم أوسع على في رزقي، وامدد لي في عمري، واغفر لي ذنبي، واجعلني ممن تنتصر به لدينك، ولا تستبدل بي غيري)[17]
المصادرــــــــــــــ
[1] أنظر: خطاب المرحلة ج7 ص168.
[2] خطب الجمعة لشهيد الجمعة ص364-365.
[3] الجمعة السابعة والعشرون. خطب الجمعة لشهيد الجمعة ص360.
[4] أنظر: قيادة الحركة الإسلامية في العراق، عباس الزيدي، عبد الهادي الزيدي، ص304- 305.
[5] الجمعة الثانية والأربعون. خطب الجمعة لشهيد الجمعة ص617-618.
[6] حرره (قدس سره) بتاريخ التاسع من شهر رمضان المبارك 1418هـ، منهج الأصول للسيد الشهيد الصدر (قدس سره)، مقدمة الجزء الثاني.
[7] من نور القرآن ج2 ص353. خطاب المرحلة ج8 ص371.
[8] من نور القرآن ج2 ص356. خطاب المرحلة ج8 ص374.
[9] ميزان الحكمة ج2 ص1421.
[10] المصدر نفسه ص1484.
[11] ميزان الحكمة ج2 ص1487.
[12] مستدرك الوسائل ج12 ص370.
[13] ميزان الحكمة ج2 ص1487.
[14] خطاب المرحلة ج5 ص449.
[15] كمال الدين وتمام النعمة- الشيخ الصدوق ج1 ص3.
[16] من نور القرآن ج1 ص239.
[17] وسائل الشيعة ج7 ص138.
محمد النجفي
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية