كلمات في الطب الديني 1
توجد روايات شريفة كثيرة يصف فيها المعصومون (عليهم السلام) علاجاً لبعض الأمراض، أو يُسألون عن أمور طبية فيجيبون السائل، أو يحاورون الأطباء في أمور علمية قيمة من تصنيع الأدوية أو علاج الأمراض أو الوقاية الصحية وصيانة الجسد والتغذية والتنشئة الجسدية السليمة، مما يكشف عن وجود علم طبي ديني يمكن أن يتوسع في المستقبل ليكون علماً شاملاً رصيناً، لا سيما وأنه يمتلك أسس نظرية لمعرفة تكوين الإنسان الجسدي والنفسي وعلاقته بالكون الظاهر والباطن.
ولم يُعط لهذا العلم الاهتمام الكافي إذ يبدو أنه لم يتوفر للأئمة (عليهم السلام) تلامذة أكفاء في الطب كما كان جابر بن حيان في الكيمياء، وكما توفر تلامذة في العقائد والفقه، كما لم يتوفر اهتمام كافٍ بجمع تلك الروايات في كتب وتصانيف تناظر ما حصل ففقه والعقائد، ولم يعتن بأسانيدها، ولعل منها ما اختلط بكلمات الأطباء القدامى ونصائحهم، ومنها ما ضاع في سِنات التأريخ وغفلات المستحفظين.
ومن المتوقع أن لا يعتني الناقل لرواية العلاج بنقل الحالة الصحية للمريض فقد تكون حالة خاصة للمرض، ويظن الراوي أنه شاملة لهذا المرض أو ذاك، أو يظن أنه علاج إعجازي لا يمكن تطبيقه أو تغييره بحسب الحالات.
كما أن التراث الطبي للأئمة (عليهم السلام) قد يتعرض للاستهزاء والتشكيك لسبب أو آخر، مما عطّل محاولات الاستفادة منه وتحويله إلى اللغة الحديثة، أو اختباره ومعرفة عوامل التأثير فيه وتحليل مواد العقار الموصوفة في الروايات التي يصف فيها الإمام (عليه السلام) علاجاً للمرض.
أو أن يتم تعطيل دراسة هذا العلم بحجة أنه يحتاج إلى علم خاص أو عوامل نفسية لا يمكن التحكم بها أو أنه يعتمد على الثقة بالمعصومين (عليهم السلام)، ولو كان الأمر بهذه الكيفية لاكتفى الأئمة (عليهم السلام) بعلاج المريض بطريقة إعجازية من علم لا يدركه عامة الناس، ولما وصفوا العلاج للناس بمواد من النبات والمعادن، وما ذلك إلا لكي يتعلمها الناس ويعمموا نتائجها بطريقة علمية.
ومما لا شك فيه أن المرض والعلاج لا يقتصر على الجزء الجسدي من الإنسان وأنه يحتاج إلى النظر إلى جميع عوالم الإنسان ليتحقق الشفاء التام، وإن الأطباء اليوم يلتفتون إلى تأثير الجانب النفسي للمريض ولكنهم لا يمتلكون نظرية للنفس ولنشأة الإنسان الملكوتية التي تؤثر في الجسد فيكتفون بأوصاف عامة مجملة للجانب النفسي.
كما نتوقع أن يختلط الطب الديني مع الطب العربي القديم، لا سيما وأن بعض الأطباء الأكاديميين يقفون منهما نفس الموقف الرافض.
ويمكن أن ينقسم البحث في هذا الجانب الثري من التراث الديني إلى عدة أقسام:
الأول: ما يتحدث عن تكوين الإنسان النفسي والجسدي من بداية الولادة، والعلاقة مع الوالدين.
الثاني: ما يتحدث عن النظام الصحي للجسد والممارسات النافعة والضارة به، واعتماد المناعة الذاتية قدر الإمكان.
الثالث: الثقافة الغذائية وارتباط الإنسان بالطعام.
الرابعة: أسباب الأمراض النفسية والدنيوية.
الخامسة: العلاجات التي استعملت فيها المؤثرات الدينية.
السادسة: العقاقير التي استعملت فيها مواد طبيعية نباتية أو معدنية أو حيوانية.
السابعة: الإشارات الدينية المستفادة من كشوفات الطب الحديث.
الثامنة: أخلاقيات الطبيب: الرغبة في شفاء المريض، المعاينة قبل وصف العلاج، الترفق بالمريض..
وهذه المحاور واسعة وعميقة وتحتاج إلى بحث معمق لكي لا يظلمها الباحثون ولكي ينتفع بها أهل التخصص والمثقفون.
الدكتور عماد علي الهلالي
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية