تحولت علومنا العقائدية في ما يتعلق بأهل البيت (عليهم السلام) وما أخذناه عنهم إلى علوم نظرية نستدل عليها وندفع شبهات الخصوم عنها، ولكننا فقدنا الجانب العملي فيها نتيجة لعدة أسباب بين سطور التأريخ، لنضرب لكم مثالاً عن انفصال الجانب النظري عن الجانب العملي فيها.
منها حديث النور (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر، خلقه الله ثم اشتق منه كل شيء -ثم خلق منه كل خير-) وغيرها من الروايات التي أخبرت أن أول ما خلق الله أنوار محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)، يُنظر إلى خلق النور فيه في الفهم الشائع كحدث ماضي ربما حصل قبل مليارات السنين وخُلق منه الكون، أما الجانب العملي المفقود فيه فهو أن يشهد المؤمن ذلك النور كل ليلة ويقف في مقاماته بين يدي الله ويشاهد بنفسه خلق كل خير منه في النهار التالي.
وروايات الميثاق وعالم الذر؛ يُنظر إليه كحدث ماضٍ أيضاً (راجع مناقشتنا لكتاب علم النفس الفلسفي للشيخ غلام رضا الفياضي/ تقرير السيد جعفر الحكيم) قام الرب بإخراج بني آدر من ظهور آبائهم بسرعة وأشهدهم على أنفسهم وأخذ الميثاق عليهم ثم أعادهم ليولد كل منهم في زمانه. أما الجانب العملي فيه فيحصل بالنظر إلى عالم الميثاق كعالم مفتوح يمكن للمؤمن أن يعيد الاستشهاد والشهادة والإقرار في كل حين إذا وصل إلى قرارة نفسه وهي معرفة موجودة في كل نفس تشبه الموقف يوم القيامة، ومنها تشتق الكثير من المعارف الدينية وفي هذا المحل مقام أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي يمير العلم ثمة.
وروايات الرجعة التي يُنظر إليها كعالم مستقبلي يرجع فيه من محض الإيمان محضاً بعد موته، وهو وإن كان سيحصل للمؤمنين بعد الموت، ولكنه لا يبرر لماذا صدر الإخبار عنه من النبي والمعصومين (عليهم الصلاة والسلام) وتحميل الشيعة علمه ومهمة الدفاع عنه ضد استهزاء الخصوم، فلمَ لم يُترك ويكتم علمه ليحصل بعد الموت تلقائياً للمؤمنين. أما الجانب العملي فيه فيكون بمعرفة أن هذا العالم مفتوح للمؤمنين يمكن لهم دخوله إذا محضوا الإيمان محضاً، ويمكن لهم أن يشهدوا مقامات الأئمة (عليهم السلام) وأحداث حياتهم فيشهدوا معركة الجمل مثلاً ويروا نصر أمير المؤمنين مهما كان زمان ولاداتهم.
وروايات البرزخ التي يرى الفهم الشائع أنه عالم يحصل بعد الموت على نفس سكة الزمان إلى القيامة، أما الجانب العملي فيه فيكون بمعرفة أن البرزخ عالم معرفي يحصل بمحاسبة النفس وحشر الأعمال السابقة وإعادة التفكير بها وفق الميزان الإلهي.
ومعالم عالم الرجعة وعالم البرزخ موجودة في جوانب المعالم الظاهرية للحياة الدنيا إذا صحح الإنسان بصيرته وأحسن التفكّر والمراقبة وحاسب نفسه بتواضع.
وروايات الجنة والنار، فإننا إذا فهمنا طبيعة خلقتهما فسنراهما في كل الأعمال حولنا وفي أنفسنا وقد أكد الأئمة عليهم السلام بشدة على أن الجنة والنار مخلوقتان اليوم وتبرأوا ممن يقول أنهما مقدرتان اليوم غير مخلوقتين.
وروايات ولايتهم وعلاقتها بالصلاة وشخصية كيان الأعمال العبادية والذنوب حتى قالوا أن من لا يعرف كيف تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر فليس لديه من ولايتنا شيء، وقالوا إن العدل هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والإحسان هو علي (عليه السلام) وأما الفحشاء والمنكر فهو فلان وفلان ممن لا زالت تتقد من قبورهم نيران المعاصي.
كل هذه الجوانب من العقائد لا بد أن تُدرس بعناية وتنسج بمنظومة نظرية تتفرع منها علوم الأخلاق والعقائد وغيرها.
الدكتور عمار علي الهلالي