إن القيادة الإلهية ليست مجرد نقل للمعرفة، بل هي فيض من الهداية والتزكية، تتجاوز حدود التعليم النظري إلى بناء مجتمع قائم على العدل والتوحيد. فالأنبياء لم يكونوا معلمين فحسب، بل قادةً يحركون الأمم نحو النور، ويربطون العلم بالعمل، والعقيدة بالتزكية.
القيادة الإلهية: نورٌ يتجسد في الواقع
تتميز القيادة الإلهية بشموليتها، إذ تعتني بالإنسان عقليًا بترسيخ العقيدة، روحانيًا بتطهير القلوب، واجتماعيًا بإرساء العدل. فهي ليست مجرد تنظير، بل مقام الجمع بين العلم والتطبيق، بين الظاهر والباطن، حيث يصبح القائد نموذجًا حيًا للحقائق التي يدعو إليها.
حلقات الدرس: إشراق ذهني بلا إشعاع وجودي في الأمة
رغم أهمية حلقات الدرس في نقل العلم، فإنها تفتقر غالبًا إلى الروح القيادية المحركة للتغيير. الاقتصار على التعليم المجرد يجعل المعرفة جامدة، غير قادرة على إحداث التحولات الكبرى التي صنعها الأنبياء حين جمعوا بين التعليم والقيادة العملية.
العالم الرباني: الامتداد الحقيقي للقيادة الإلهية
العالم الرباني ليس مجرد ناقلٍ للمعلومات، بل هو نورٌ إلهي متحرك في واقع الأمة، يجمع بين العلم والحكمة، ويوجه الناس نحو نهضة حقيقية. كما قال تعالى:
﴿وَلَكِن كُونُوا۟ رَبَّـٰنِیِّـۧنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدۡرُسُونَ﴾ (آل عمران: 79).
فالرباني هو من يحمل روح النبوة، يتفاعل مع الناس، ويعيد تشكيل وعي الأمة.
من العلم إلى القيادة: ضرورة التفعيل في واقع الأمة
لا يكفي أن تمتلك الأمة علماء ينقلون المعرفة، بل تحتاج إلى قيادة ربانية توقظ روحها، وتحركها نحو النهوض. فكما لا تحيا الأجساد بالمعلومات المجردة، كذلك لا تنهض الأمة بالعلم وحده، بل تحتاج إلى من يجسّد المعاني الربانية، ويصنع التحولات الكبرى التي تحقق العبودية لله في أرقى صورها.
المرجع اليعقوبي: العالم الرباني في عصر التحديات
في زمنٍ كثرت فيه العناوين وضاعت الأولويات، تبرز الحاجة إلى العالم الرباني الذي يوازن بين العلم والهداية، والفكر والتأثير. ومن بين هذه النماذج، يظهر المرجع اليعقوبي ليس كعالمٍ نظري فحسب، بل كقائدٍ يحمل همّ الأمة، ويوجّهها نحو التكامل.
لم يقتصر دوره على التدريس، بل جعل العلم حركةً تغييريةً، والفقه منهجًا للحياة، فخطابه تجاوز النخبة العلمية إلى المجتمع بأسره، واضعًا نصب عينيه دور العالم الذي يعلّم، يزكّي، ويُحيي القلوب والأرواح.
القيادة والتجديد في فكره
يُمثّل المرجع اليعقوبي امتدادًا للمنهج النبوي، حيث يجمع بين العلم والعمل، ويجعل الفقه نورًا هاديًا، والسلوك معيارًا، والإصلاح الاجتماعي هدفًا. فالعالم الرباني عنده ليس ناقلًا للنصوص فقط، بل محركٌ للمجتمع، يعيد تشكيل الوعي، ويوجّه الأمة نحو النهضة.
العالم العامل لا العاجز
العالم الرباني ليس حبيس الكتب أو أسير المنابر، بل صانعُ وعيٍ ومُرَبٍّ للأمة، يواكب التحديات ويقدّم حلولًا من روح الشريعة. وهكذا، يكون امتدادًا للقيادة الإلهية، يحمل مشعل الأنبياء، ويعيد للأمة وعيها برسالتها الكبرى.
خاتمة
الأمة اليوم بحاجة إلى علماء يحيون رسالة الإسلام في الواقع، ولا يكتفون بالتعليم النظري. المرجع اليعقوبي نموذجٌ لهذا الامتداد، حيث اجتمع فيه العلم والتقوى، والبصيرة والتأثير، فكان مصداقًا للعالم الذي ينهض بالأمة ويقودها نحو التكامل.
هادي حسين ناصري / إسلام آباد