يعلم الأخوة المؤمنون المتابعون لما يصدر عن المرجعية الرشيدة أن هذا القبس القرآني سبق وأن قام سماحة المرجع اليعقوبي بإلقائه على جمع من الزوار وذلك بتاريخ 26/ ذي الحجة/ 1437 الموافق 28/9/2016 بمناسبة ذكرى نزول سورة (هل آتى) في حق أهل البيت (عليهم السلام)[1] وقبل أيام كرر سماحته ألقاء هذا القبس القرآني المبارك ومن المهم أن نتساءل لماذا أعاد سماحته ألقاء هذا القبس القرآني في هذا الوقت بالتحديد؟
وسيكون الجواب على هذا التساؤل بنقاط:
1- لترسيخ هذه الأخلاق والقيم الإسلامية في عقول ونفوس المسلمين ليزدادوا تمسكا بها ويجسدوها في حياتهم العملية وليعرفوا أن ما يتباهى به الغرب من إيجابيات إنما هي موجودة في الإسلام وعلى المسلمين وكل ما عليهم أن يجسدوها في سلوكهم ويظهروها ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.
2- التذكير المستمر وما فيه من فوائد منها ترغيب الناس بالطاعة وجذبهم إليها وتنفيرهم من المعصية لذا أكد الله تعالى في كتابه العزيز على التذكير (وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ)[الذاريات:55] فالتكرار والتذكير المستمر مهم وضروري لأن فيه منفعة كما صرح الله تعالى في الآية الكريمة المذكورة آنفا وانطلاقا من هذه المنهجية القرآنية والسلوك القرآني الذي جسده سماحته يحثنا على التذكير المستمر وعدم التقاعس عن ذلك لما فيه من فوائد جمة في كل حالة غير صحية نشخصها علينا ان نذكر الناس لمعالجتها فمثلا اذا وجدنا تقاعسا عن حضور صلاة الجمعة علينا أن نحث على حضور صلاة الجمعة من خلال نشر الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة الصادرة عن المعصومين (عليهم السلام) التي تؤكد على أهمية حضور صلاة الجمعة وثواب ذلك وذكر عقاب المتخلفين عن حضورها … وهكذا بقية الحالات …
3- إن سماحة المرجع اليعقوبي تربى في كنف القرآن حتى خالط لحمه ودمه وفكره ولسانه وقلبه[2] لذا ترى منهجيته منهجية قرآنية ففي كلمة لسماحته قال: ان تكرار القصص في القرآن لكل منها هدف يختلف عن الهدف الذي ذكرت فيه في السورة الأخرى … محل الشاهد .. حينما اكرر الطرح فلكل طرح يوجد لي هدف من طرحه غير الذي طرحته سابقا …[3]
وفي مكان آخر ذكر سماحته فائدة التكرار القصص في القرآن حيث قال:
تكرار واستمرار جرعات العلاج وعدم الاكتفاء بعرض العلاج لمرة واحدة عند التصدي لتصحيح حالة منحرفة أو سد نقص أو علاج خلل موجود في فكر الأمة أو عقيدتها أو سلوكها، فمثلاً تجد قصص بعض الأنبياء قد تكررت أكثر من عشر مرات وكل طرح له ذوقه وأثره ودوره في تحقيق الغرض ويترك انطباعا غير الذي يتركه الآخر وان كان الجميع بنفس المضمون …[4].
ومن هذا المنطلق أحببت كتابة هذا المنشور …
إن وقت ألقاء هذا القبس القرآني لأول مرة من قبل سماحة المرجع اليعقوبي كانت المناسبة تقتضي إلقاء هذه الكلمة وهي ذكرى نزول سورة (هل أتى) وذلك في الخامس والعشرين من ذي الحجة ومن خلال هذه المناسبة أراد سماحته بيان عدة أمور وتكاليف من بينها حث الناس على الإطعام والانفاق مما يحبون لأن العراق في وقتها كان يمر بأزمة مالية خانقة حيث شهدت تلك الفترة هبوطا حادا في أسعار النفط ولأن الاقتصاد العراقي يعتمد بالدرجة الأولى وبشكل رئيسي على النفط وقد تأثر العراق كثيرا إضافة لما فيه من فساد وسوء إدارة للموارد أضف إلى ذلك مقاتلة التنظيمات الإرهابية وما تتطلبه من إنفاق فكانت كلمة سماحته فيها حث على الانفاق سواء لمساعدة عامة المحتاجين من الناس أو تأكيد على مساعدة المجاهدين أو عوائلهم …
4- واليوم المناسبة أيضا اقتضت تكرار هذه الكلمة فإننا نعيش في أجواء الأيام الفاطمية مناسبات شهادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي أحد أفراد من نزلت بحقهم سورة (هل أتى) وما تضمنته من الانفاق والايثار والإخلاص …
إضافة إلى الظرف الذي يمر به الكثير من العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر بشهادة الجهات الحكومية لذا فإن التأكيد على الانفاق أمر مهم وضروري لأجل مساعدة المحتاجين …
إضافة إلى أهمية الانفاق لإحياء الشعائر الدينية ومن أهمها الزيارة الفاطمية سواء الانفاق من خلال نقل المؤمنين الراغبين في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) الذين لا يملكون المال اللازم للذهاب للنجف الأشرف أو الانفاق على الفعاليات الدينية التي تقام في النجف الأشرف في هذه المناسبة أو الانفاق على إعداد الطعام والشراب والمبيت للمؤمنين الذين يحيون مظلومية الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء صاحبة الايثار الذي ذكره الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز تخليدا لها ولأهل بيتها علي والحسن والحسين (عليهم السلام) فعلينا أن نحي هذه المناسبة وننفق مما نحب لأجل أن نحي المبادئ السامية والأخلاق الكريمة التي جسدتها الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في حياتها …
وعلينا أن لا ننسى الانفاق بمعناه الواسع وهو مساعدة المحتاج المعنوي فيشمل كل من هو محتاج فكرياً وعقائدياً … وذلك من خلال بيان مظلومية الزهراء ونشرها فإن بيان هذه المظلومية وسيلة مهمة لاجتذاب كثير من المسلمين وغير المسلمين لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فمن بين أهداف إحياء مظلومية الصديقة الطاهرة (عليها السلام) هو إحياء كثير من الناس من خلال هدايتهم وحماية الأمة من الانحراف وهذا ما جاء في بيان سن هذه الشعيرة المقدسة (كانت الزهراء سببا لهداية الأجيال واستبصارهم وفيئهم لنور الحق وقد ألفّ احدهم كتاب (بنور فاطمة اهتديت). وبمقدار احتفالنا بالصديقة الطاهرة (سلام الله عليها) واستعادة مظلوميتها واستذكار مواقفها المشرفة فإننا نساهم في حفظ مسار الأمة من الانحراف.)[5]
واكد سماحته على نتيجة هداية الناس وذكرها ضمن كلمته التي حملت عنوان (عوامل ازدهار التشيع بين الأمس واليوم) حيث جاء فيها:
(فكانت هذه المظلومية سبباً لاجتذاب كثيرين إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) خصوصاً قضية أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والإمام الحسين (صلوات الله عليهم أجمعين).)[6]
فالمساهمة في الانفاق المادي والمعنوي لإنجاح هذه المناسبة والزيارة هو مساهمة في إحياء خلق كثير من الناس من خلال هدايتهم للدين الحق والمذهب الحق (مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا) [المائدة32][7] أو تقريبهم للطاعة وحمايتهم من الانحراف … .
المصادرـــــــــــــــــ
[1] ساكن القلب، المرجع اليعقوبي ، ص168.
[2] أنظر: من نور القرآن ج3 ص324. خطاب المرحلة ج1 ص127.
[3] كلمة سماحته ألقاها في وفد ناحية النصر / الناصرية بتاريخ 2006 (تسجيل فيديوي)
[4] من نور القرآن ج3 ص367. خطاب المرحلة ج1 ص167.
[5] نشرة الصادقين العدد (42).
[6] خطاب المرحلة ج8 ص356.
[7] أنظر: ساكن القلب، ص71.