لابدّ من إيجاد عوامل في المجتمع لكي تحرك في الناس عواطفهم ومشاعرهم الدينية ولتدفعهم ليقوموا بعمل مشابه لما فعله سيد الشهداء عليه السلام وليواصلوا سبيله وليعشقوا طريقه.
وفي هذا المضمار يطرح موضوع آخر وهو: إن سبيل بعث المشاعر وإثارة العواطف ليس منحصر في إقامة العزاء والبكاء، فقد تثار
عواطف الإنسان باقامة مراسم الفرح والسرور، ونحن نعلم في مناسبات الولادة لأهل البيت عليهم السلام، ولاسيما ولادة سيد
الشهداء عليه السلام عندما تقام حفلات الفرح والسرور ويجري على الألسن مدحهم فان الناس تستولي عليهم حالة من
الحماس والحيوية.
ويطرح هنا سؤال وهو: لماذا لا تستغل مراسم الفرح لإثارة المشاعر؟
ولماذ هذا الإصرار على البكاء، إقامة مجالس العزاء؟
تعالوا لنحتفل بدل هذا ونوزع الحلوى ونقرأ المدح والثناء والأناشيد لنحرك بها مشاعر الناس.
الجواب: إنّ للمشاعر والعوطف ألواناً متنوعة، ويتم تحريك كل لون من المشاعر والعواطف بواسطة الحادثة المناسبة لها.
فالواقعة التي نهضت بأكبر دور في التاريخ الإسلامي هي حادثة استشهاد أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وهي التي غيرت
مسيرة التاريخ الإسلامي، وهي التي زودت الإنسان إلى يوم القيامة بدروس الجهاد والنهضة والمقاومة والاستقامة وميّزت بين
الإسلام الحقيقي والخط المزيف الذي أراد أن يحرف الدين، ولتجديد تلك الواقعة لا يكفي اقامة مجالس الفرح والسرور، بل لابدّ من
القيام بعمل مناسب لتلك الحادثة، أي لابدّ من القيام بعمل يثير حزن الناس ويجري دموعهم ويغرس العشق والحماس في قلوبهم، والشيء الذي يمكن أن يقوم بهذا الدور في هذه الحادثة هو اقامة مراسم العزاء والبكاء، وخلق الأجواء التي تُبكي الناس، بينما السرور والضحك لا يستطيع أن ينهض بهذا الدور. إن الضحك لا يخلق من الإنسان إنساناً طالباً للشهادة، ولا يعبّد الطريق
للإنسان المؤمن لكي يتحمل آلام ومصائب الحروب التي تفرض عليه، إن مثل هذه الأمور تحتاج إلى عشق من نوع آخر نابع من البكاء والحماس والحرقة، وسبيل هذا هو إقامة مجلس العزاء.