عرف الأئمة (ع) جميعاً بألقاب مرتبطة بالصفات والحالات (كالسبط مثلاً) أشتهر بعضها ولم يشتهر البعض الآخر واستقرت الشهرة الحالية على ألقاب محددة، ولم يشتهر أي أحد منهم بلقب مرتبط بمكان رغم ذكر ذلك من البعض عند التحدث عن سيرة بعضهم-كوصف الإمام علي (ع) بالمكي أو المدني- إلا الإمام الحادي عشر الحسن بن علي الهادي (ع) والذي عرف بألقاب أخرى ولكن أشهر لقب له يعرف به هو “العسكري”، والذي يطلق في بعض الأحيان على والده أيضاَ عند الجمع بينهما فيُقال: “العسكريين” أو في بعض الأحيان يطلق على والده لقب “صاحب العسكر”.
في سبب هذه النسبة رأيان:
الأول: نسبة إلى مدينة سامراء والتي كانت مدينة عسكرية أو عرفت بمحل العسكر أو مدينة العسكر.
الثاني (وهو الأرجح): نسبة إلى المنطقة التي عاش فيها الإمام الحسن مع والده وتوفيا فيها ودفنا فيها وهي “محلة العسكر” في سامراء، وهي المحلة التي أجبر الإمام الهادي (عليه السلام) على السكن فيها في سامراء، بعد أن أستقدمه المتوكل فقام الإمام بشراء الدار من صاحبها النصراني، وكانت أشبه بمكان احتجاز له لأن محلة العسكر حسب ما ورد في بعض المصادر كانت مقر سكن كبار المسؤولين في الدولة وتخضع لمراقبة العباسيين بشدة.
هذا الجزء من الجواب معروف تقريباً ومتداول وهو ليس ما أردنا الكلام عنه، فما أردنا الكلام عنه هو لماذا الإمام الحادي عشر هو الوحيد الذي لُقب بهكذا لقب دون غيره من الأئمة؟
طُرح هذا السؤال على بعض المواقع المختصة وعلى بعض رجال الدين، وكانت أجوبتهم مختلفة ومفيدة وسنذكرها ونضيف عليها إن شاء الله تعالى.
الجواب الأول:
قاله الشيخ حسين الكوراني في جواب له على هذا السؤال في أحد البرامج بما مضمونه: إن مرحلة الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) مرتبطة بظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) أي بمرحلة “العسكرة” كما يسميها، باعتبارهما مؤسسان لذلك، وإن النسبة إلى منطقة هي ظاهر ذلك فقط.
الجواب الثاني:
قاله الشيخ حبيب الكاظمي في جوابه على نفس السؤال في برنامجه “المجيب” بما مضمونه: إن الإمامين عرفا بالعسكريين نسبة لـ”محلة العسكر”، لأنها مكان إقامتهما الجبرية أي وكأنك تقول الإمامين الممتحنين المظلومين، كما إن لقب سيد الشهداء يشير إلى شهادة الإمام الحسين(عليه السلام).
وكلاهما جواب جيد ونافع ولكنهما يجيبان على لقب “العسكريين” المفترض للإمامين العاشر والحادي عشر وليس على لقب “العسكري” المشتهر للإمام الحادي عشر، فلقب “العسكريين” على الأرجح هو لقب متأخر نتيجة التغليب، كما في تسمية “الكاظم” و “الجواد” بـ “الكاظمين” ولعل سبب اختيار “العسكريين” وليس “الهاديين” أما لمناسبته لكليهما، فكما عرفنا إن الإمام الهادي (عليه السلام) يذكر في بعض الأحيان باسم “صاحب العسكر” نسبة إلى القصة التي يرويها المجلسي في بحاره أو لنسبتهما كليهما إلى سامراء أو محلة العسكر، أو لأن “العسكريين” أسهل في النطق من “الهاديين”.
الجواب الثالث:
كما في الجواب الثاني تقريباً ولكن بخصوصية للإمام الحادي عشر لاعتبارات عديدة، فهو الإمام الوحيد بين الأئمة الذي عاش معظم حياته خارج المدينة المنورة-عاش سنتين فقط في المدينة من أصل 28 أو 29 عاماً عاشها على فرض ولادته فيها- بينما عاش باقي الأئمة معظم حياتهم أو الشطر الأكبر منها في المدينة، أو لأنه لم يعش في المدينة نهائياً، لأنه هناك آراء تقول إنه ولد في سامراء وعاش فيها كل حياته، فسواء كانت نسبته بالعسكري لسامراء أو لمحلة العسكر فلقبه العسكري جاء من هذه الخصوصيات التي لا يشاركه فيها أي إمام آخر ماعدا الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) في موضوع الولادة على فرض ولادته الإمام العسكري في سامراء، فكأن اللقب يُراد منه التركيز على هذه الخصوصية وما يستتبعها من غربة وإقامة جبرية.
الجواب الرابع:
من الألقاب الأخرى التي أطلقت على الإمام الحادي عشر ولكنها لم تشتهر : الصامت والهادي والرفيق والزكي والنقي وابن الرضا، وهي كما نرى أما مشتركة بينه وبين إمام آخر فالهادي لقب أبيه الأشهر والنقي من ألقاب أبيه أيضاَ والزكي من ألقاب الإمام الثاني الحسن المجتبى، وابن الرضا مشترك بينه وبين أبيه وجده وهذا يحدث إرباك في الاستخدام خاصة مع تشابه اللقب والاسم كما في الزكي، أو إنها صعبة التداول لعدم وضوح خصوصيتها كالصامت والرفيق، فلهذا غلب على تلك الألقاب لقب “العسكري”.
الجواب الخامس:
الإمام العسكري كان أقصر الأئمة مدة في الإمامة (5-6 سنوات) وإذا أضفنا لذلك إن قضى حياته كلها في شبه إقامة جبرية، فهذا يعني إنه كان قليل اللقاء بالناس عموماً وشيعته خصوصاً، وظهور الألقاب واشتهارها في الغالب يحتاج لمعاشرة واختلاط أطول بالناس ليتم تداول صفة معينة كلقب، ولهذا كان لقب “العسكري” هو الأشهر والأكثر ملازمة له.
الجواب السادس:
العسكر منسوب إلى محلة العسكر أو إلى سامراء لا ضير في ذلك ولكن تقريره كلقب لا يخلو من دلالات أخرى وألقاب الأئمة (عليهم السلام)، يمكن القول بشكل من الأشكال إنها توقيفية، فإذا نظرنا إلى المعاني اللغوية لكلمة العسكر ربما نجد بعض الإشارات المفيدة، قال ابن الأَعرابي: العَسْكر الكثيرُ من كل شيء، وقيل العَسْكَرةُ: الشدة والجدب، ولعل في استخدام لقب العسكري إشارة لما حصل له من مصائب سلام الله عليه أو إشارة لتأثيره رغم ما جرى له وقصر عمره الشريف وقصر مدة إمامته، أو لعله إشارة لجهوده في نشر التشيع على رأي بعض الباحثين.
الأجوبة الأربعة الأخيرة هي احتمالات ذكرتها وذكرت أسبابها وأرى إنها تصلح أكثر كأجوبة عن أسباب اللقب، وقد توجد أجوبة أخرى أفضل، والله العالم.
منشور من العام الماضي أضفت له احتمالاً سادساً
عظم الله تعالى لنا ولكم الأجر
رشيد السراي
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية