اسمها ونسبها:
هي السيّدة الجليلة فاطمة بنت موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) بنت وليّ الله وأخت وليّ الله وعمّة وليّ الله- كما جاء في زيارتها-.
والدة السيدة فاطمة المعصومة (ع):
فاطمة عليها السلام هي الأخت الشقيقة للإمام الرضا عليه السلام تشترك معه في أمّ واحدة، فأمّها أمّ ولد تكنّى بأمّ البنين، وقد ذكر لها العديد من الأسماء كنجمة وأروى وسكن وسمان وتكتم وعليه استقرّ اسمها حين ملكها أبو الحسن موسى عليه السلام، وإليها يشير الشاعر بقوله:
أَلَا إنَّ خَيْرَ النَّاسِ نَفْساً وَوَالِداً وَرَهْطاً وَأَجْدَاداً عَليُّ المُعَظَّمُ
أَتَتْنــا بِـهِ لِلْعِلْمِ والحِلْمِ ثَامِنــاً إِماماً يُؤَدِّي حُجَّةَ اللهِ تَكْتُمُ
وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها. تقول السيّدة حميدة المصفّاة لولدها الإمام الكاظم عليه السلام: “يا بنيّ إنّ تكتم جارية ما رأيت جارية قطّ أفضل منها ولست أشكّ أنّ الله تعالى سيطهّر نسلها إن كان لها نسل وقد وهبتها لك فاستوصِ بها خيراً”. ولمّا ولدت الإمام الرضا عليه السلام سمّاها الإمام الكاظم عليه السلام بالطاهرة، وقد كانت من العابدات القانتات لربّها.
ولادتها ووفاتها:
ولدت في المدينة المنوّرة في غرّة شهر ذي القعدة الحرام سنة 371 للهجرة وقال بعضهم: إنّها سنة 381 للهجرة، وفي بعض المؤلّفات أنّ الظاهر عدم دقّة هذا الأخير، حيث أنّ سنة 381 هي سنة شهادة الإمام موسى الكاظم عليه السلام، وقد كان فيها رهين سجون الظالمين.
وكانت وفاتها في قمّ سنة 102 للهجرة، وذلك في العاشر من ربيع الثاني، وقيل: في الثاني عشر منه، وفيها دفنت فوفاتها قبل أخيها الإمام الرضا عليه السلام ويأتي في أخبار زيارتها عليها السلام الواردة عن الرضا عليه السلام ما يظهر منه ذلك.
قال المحدّث القمّي أعلى الله مقامه: ومزارها في قمّ المقدّسة ذو قبّة عالية وضريح وصحون متعدّدة وخدم وموقوفات كثيرة وهي قرّة عين قمّ وملاذ الناس ومعاذهم بحيث تشدّ إليها الرحال كلّ سنة من الأماكن البعيدة لاقتباس الفيض واكتساب الأجر من زيارتها عليها السلام.
فضائلها وصفاتها:
قال الشاعر:
يا بِنْتَ مُوسَى وَابْنَـةَ الأَطْهــارِ أُخْتَ الرِّضـا وَحَبِيبَةَ الجَبَّــار
يـــا دُرَّةً مِنْ بَحْرِ عِلْمٍ قَدْ بَدَت ْ لِلَّهِ دَرُّكِ وَالعُــلُوِّ السَّــــارِي
أَنْتِ الوَدِيعَةُ لِلإمامِ عَلَى الوَرَى فَخْرِ الكَرِيمِ وَصَاحِبِ الأَسْرارِ
لا زِلْتِ يا بِنْتَ الهُدى مَعْصُومَةً مِنْ كُلِّ ما لا يَرْتَضيــهِ البـــارِي
مَنْ زَارَ قَبْرَكِ في الجِنــانِ جَزاؤُهُ هَذا هُوَ المَنْصُوصُ في الأَخْبارِ
لم يكن في ولد الإمام الكاظم عليه السلام مع كثرتهم بعد الإمام الرضا مثل هذه السيّدة الجليلة، وقد قيل في حقّها: (إنّها) رضعت من ثدي الإمامة والولاية، ونشأت وترعرعت في أحضان الإيمان والطهارة، تحت رعاية أخيها الإمام الرضا عليه السلام، لأنّ أباها الإمام الكاظم عليه السلام قد سجن بأمر الرشيد، لذلك تكفّل أخوها رعايتها ورعاية أخواتها ورعاية كلّ العوائل من العلويّين التي كان الإمام الكاظم سلام الله عليه قائماً برعايتهم..
إنّ هذه العقيلة هي من الدوحة العلويّة النقيّة الطاهرة المطهّرة، ومن حفيدات الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها وبناتها الطيّبات العالمات المحدّثات المهاجرات اللاتي اختصهنّ الله تعالى بملكة العقل والرشاد والإيمان والثبات، والعزيمة والفداء والتضحية، وأودع فيهنّ العفّة والطهارة، وبواعث القوّة والحقّ والغلبة والكمال مع تجنبهنّ عوامل الذلّ والخذلان، والخوف والاستسلام..
تعرف هذه السيّدة بالمحدّثة، والعابدة، والمقدامة، وكريمة أهل البيت عليهم السلام. لقد كانت فاطمة عليها السلام على دين قويم صادق وانقطاع متواصل إلى الله وفي غاية الورع والتقوى والزهد، كيف لا؟ وأبوها الإمام الكبير القدر العظيم الشأن الكبير المجتهد الجادّ في الاجتهاد المشهور بالعبادة والمواظب على الطاعات المشهور بالكرامات يبيت الليل ساجداً وقائماً ويقضي النهار متصدّقاً وصائماً ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظماً كان يجازي المسيء بإحسانه إليه ويقابل الجاني بعفوه عنه ولكثرة عبادته كان يسمى بالعبد الصالح، ويعرف بباب الحوائج إلى الله.
ويظهر من الروايات أنّ فاطمة هذه كانت عابدة مقدّسة مباركة شبيهة جدّتها فاطمة الزهراء عليها السلام, وأنّها على صغر سنّها كانت لها مكانة جليلة عند أهل البيت عليهم السلام. وعند كبار فقهاء قمّ ورواتها، حيت قصدوها إلى ساوة وخرجوا في استقبالها، ثمّ أقاموا على قبرها بناء بسيطاً، ثمّ بنوا عليه قبّة وجعلوه مزاراً، وأوصى العديد منهم أن يدفنوا في جوارها كما سيأتي.
التسمية بفاطمة:
اهتمّ الأئمّة عليهم السلام باسم فاطمة لأنّه اسم جدّتهم الصدّيقة الكبرى سيّدة نساء العالمين صلوات الله عليها ولذا نراهم سمّوا بناتهم بهذا الاسم وأوصوا بالتسمية به:
فعن سليمان الجعفريّ: قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو أحمد أو عليّ أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء.
وعن السكونيّ قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا مغموم مكروب، فقال لي: “يا سكونيّ ممّ غمّك؟” قلت: ولدت لي ابنة فقال: “يا سكونيّ على الأرض ثقلها وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك”. فسرى والله عنّي فقال لي: “ما سمّيتها؟” قلت: فاطمة، قال: “آه آه” ثمّ وضع يده على جبهته..(إلى أن قال:) “أمّا إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها”. ومن هنا كان للإمام الكاظم عليه السلام أربع بنات سمّاهنّ بفاطمة.
فاطمة العابدة:
من الطبيعيّ أن تكون هذه السيّدة الجليلة من العابدات القانتات حيث تربّت في أجواء العبادة والطاعة بين أبيها العبد الصالح عليه السلام وأمّها الطاهرة رضوان الله عليها.
والمحراب الذي كانت فاطمة رضوان الله عليها تصلّي فيه في مدينة قمّ موجود إلى الآن في دار موسى بن خزرج ويزوره الناس. ولا يزال هذا المحراب إلى يومنا هذا يؤمّه الناس للصلاة والدعاء والتبرّك، وهو الآن في مسجد عامر بقمّ المقدسة، وقد جدّدت عمارته أخيراً بشكل يناسب مقام السيّدة فاطمة المعصومة رضوان الله عليها.
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية