ورد في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (هذا يوم غرّة شعبان الكريم سمّاهُ ربّنا شعبان لتشعّب الخيرات فيه، قد فتح ربّكم فيه أبواب جنانه وعرض عليكم قصورها وخيراتها بأرخص الأثمان وأسهل الأمور)، وفي نفس الرواية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: (فقولوا الحمدُ لله ربّ العالمين على ما فضّلكم به من شهر شعبان) إذاً سُمّيَ هذا الشهر (شعبان) لتشعب الخيرات فيه من لدن الله تبارك وتعالى ويصفه الإمام السجاد (عليه السلام) في صلواته الشعبانية بقوله (وهذا شهر نبيك سيد رسلك شعبان الذي حففته منك بالرحمة والرضوان الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدأب في صيامه وقيامه في لياليه وأيامه بُخوعاً لك في إكرامه وإعظامه إلى محل حِمامِه).
وتشعب الخيرات يمكن أن يكون له أكثر من معنى..
- الأول: إيجاد أسباب للخير خاصة بهذا الشهر الشريف وهو صحيح ويكفيه شرفا أن فيه ليلة تضاهي ليلة القدر و هي النصف منه، في أمالي الشيخ الطوسي عن الصادق (عليه السلام) قال: (سُئل الباقر (عليه السلام) عن فضل ليلة النصف من شعبان فقال: هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله تعالى العباد فضله ويغفر لهم بمنّه، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها فإنّها ليلة آلى الله تعالى على نفسه أن لا يردّ سائلاً له ما لم يسأل معصيةً، وإنّها التي جعلها الله لنا أهل البيت بأزاء ما جعل ليلة القدر لنبينا، فاجتهدوا في الدعاء والثناء على الله تعالى فإنه من سبّح الله تعالى فيها مائة مرة وحمده مئة مرة وكبّره مئة مرة غفر الله تعالى ما سلف من معاصيه وقضى له حوائج الدنيا والآخرة).
مع تضمن هذا الشهر المبارك لمناسبات جليلة تتجدد فيها أفراح النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعترته ومواليه بمواليد الأئمة الأطهار الإمام الحسين (عليه السلام) والإمام السجاد (عليه السلام) ومنقذ البشرية الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وهذه المناسبات تكون سبباً لإفاضة الخيرات.
وفيه أيضا أعمال مخصوصة من أدعية ومناجات وزيارات ،فهذه كلها أسباب لتشعب الخيرات خاصة بهذا الشهر.
ومن موارد تلك العطايا الخاصة ما ورد في كامل الزيارة في فضل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان عن علي بن الحسين وعن الإمام الصادق (عليهما السلام) قالا: (من أحبّ أن يصافحه مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي فليزر قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) في النصف من شعبان فإنّ ارواح النبيين يستأذنون الله تعالى في زيارته فيُؤذن لهم منهم خمسة أولوا العزم).
- الثاني: أن الإنسان يوفق فيه إلى الطاعات أزيد مما يوفق إليها في غيره من الشهور فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: (وإنّما سُمّيَ شعبان لأنّه يتشعّب فيه أرزاق المؤمنين) وفي الرواية السابقة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (وإنّ الله عزّ وجل يبثّ ملائكته في أقطار الأرض وآفاقها يقول لهم سدّدوا عبادي وأرشدوهم وكلّهم يسعد بكم إلاّ من أبى وتمرّد وطغى فإنه يصير في حزب إبليس وجنوده، وفي نفس الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يشرح معنى تشعّب الخيرات فيه، قال (عليه السلام): (وشعب خيراته الصلاة والصوم والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبرّ الوالدين والقربات والجيران وإصلاح ذات البين والصدقة على الفقراء والمساكين) فالصلاة و الصوم و الصدقة والبر بالوالدين وصلة الرحم وقضاء حوائج المؤمنين و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها كثير كلها طاعات ومستحبة في جميع الأزمنة لكن اندفاع الإنسان للقيام بها يكون في هذا الشهر أزيد بما لا يقاس به غيره، مما يعني ان هذا الشهر كان سبباً للتعرض لتلك الخيرات الموجودة أصلاً.
- الثالث: إن الأجر الذي يعطى للعاملين في هذا الشهر يكون أزيد مما يعطي لهم في غيره من الشهور على نفس الأعمال ، فالصوم حسن في كل زمان إلا انه في شعبان أحسن، ففي رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال (وهو شهرٌ العمل فيه مضاعف، الحسنة بسبعين والحسنة مقبولة والجبّار جلّ جلاله يباهي فيه بعباده وينظر صوّامه وقوّامه فيباهي بهم حملة العرش وفي عيونا أخبار الرضا (عليه السلام) عنه (عليه السلام): (من استغفر الله تعالى في شعبان سبعين مرّة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل عدد النجوم، وروي: إنّ من استغفر في شعبان كلّ يوم سبعين مرة كان كمن استغفر في غيره من الشهور سبعين ألف مرّة، قيل: فكيف أقول؟ قال: قُل أستغفر وأسأله التوبة) والصلاة حسنة في كل زمان إلا أنها في شعبان أحسن، وهكذا كل الأعمال الصالحة الأخرى وتفاوت الدرجات يوم القيام إنما يكون بحسب حسن العمل قال تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا).
- الرابع: إنّ خيرات وبركات شهر الله الأكبر شهر رمضان تتفرّع وتتشعّب من هذا الشهر الشريف لأنّ الأعمال التي قرّرت في شعبان تُؤهل لضيافة الله تعالى في شهر رمضان، وكلّما كان الإستعداد أفضل في شهر شعبان كان فوزه أكمل في شهر رمضان، لذا قُرن بين الشهرين في روايات المعصومين (عليهم السلام) ففي ثواب الأعمال عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال (صومُ شعبان وشهر رمضان واللهِ توبة من الله) وروى علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله في شهري شعبان ورمضان (هما شهرا الله هما كفّارة ما قبلهما وما بعدهما).
وهذه المعاني كلها متحققة في شعبان ، فالإنسان الساعي نحو الكمال يعمل لتحصيلها جميعا ، ومن أتى بأي شعبة من شعب الخير هذه يكون قد تعلق بغصن من أغصان شجرة طوبى.
وفي ضوء هذا لا نستطيع تقديم طاعة على طاعة فكلّها لها أجرها وثوابها، وإن كان الصوم هو الأبرز كالصلاة والدعاء والاستغفار ووردت في ذلك روايات كثيرة فعن صفوان الجمّال قال (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) حثّ في ناحيتك على صوم شعبان)، وفي كتاب ثواب الأعمال بسنده عن إسماعيل بن عبد الخالق قال (جرى ذكر شعبان عند أبي عبد الله (عليه السلام) وصومه قال: فقال: إنّ فيه من الفضل كذا وكذا وفيه كذا وكذا حتّى إنّ الرجل ليدخل في الدم الحرام فيصوم شعبان فينفعه ذلك ويغفر له).