تركز كتابا “مسايرة الإمام الرضا (عليه السلام) من المدينة إلى خراسان”، و”أنيس النفوس”، التي أصدرتها العتبة الرضوية المقدسة، على حياة الإمام الرضا (عليه السلام)، وسيرته المقدسة، والأحداث التي مر بها، وهو في مسيره من “المدينة المنورة” إلى “مرو” مركز خلافة مأمون العباسي آنذاك.
ونجلب لكم في هذا المقال، نبذة مما جرى في سفر الإمام الرضا (عليه السلام)، حين مروره ببلدان الحجاز والعراق وإيران.
الخروج من المدينة المنورة
كان الإمام الرضا (عليه السلام) في المدينة المنورة، وكان كأبيه الإمام الكاظم (عليه السلام) يقيم فيها أيضا، فذهب رجاء بن أبي الضحّاك، وياسر الخادم، وهما الرسولان المأموران من قبل المأمون، إلى دار الرضا (عليه السلام)، ودفعا إليه كتاب المأمون، فلم يكلّمهما وقرأه على مضض، ثم نزل على إرادة المأمون مكرها، وتأهب للسفر.
في طريق البصرة
تقول المصادر إن الإمام الرضا (عليه السلام)، حضر قبر جده الرسول (صلى الله عليه وآله) وودعه وبكى، ثم خرج من المدينة في سنة (٢٠٠هــ)، ولزم طريق البصرة، حيث أصر المأمون على حمل الإمام (عليه السلام) في طول الطريق، إلى مرو “خراسان”.
وكانت إحدى الدواعي المهمة لهذا القرار هي الظروف السياسية المهيمنة على بعض المدن، وقد شدد المأمون على ألّا يسلك بالإمام (عليه السلام)، الكوفة وقمّ حين قدومه من المدينة المنورة، لأن هذا الطريق يفضي إلى هاتين المدينتين، وهما مركزان للشيعة، ومن ثم إلى مدينة بغداد أيضاً، إذ منها يؤدي الطريق على إقليم الجبل وقمّ، وهي تضاهي المدينتين المذكورتين خطورة، من حيث مركزها السياسي، بما كانت مركزا للعباسيين المتشددين والمعارضين لنهج المأمون.
في قرية “النبّاج” قرب البصرة
دخل الإمام (عليه السلام) قرية “النباج”، وهي قريبة من البصرة على عشر مراحل، به يوم من أيام العرب مشهور لتميم على بكر بن وائل، و”النباج” هذا استنبط ماءه عبدالله بن عامر بن كريز، شقق فيه عيونا، وغرس نخلا، ومن وراء “النباج” رمال أقواز صغار.
وروى المسعودي عن أبي حبيب النباجي، أنه قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في المنام وقد وافى “النّباج”، ونزل بها في المسجد الذي ينزله الحاج في كل سنة، وكأني مضيت إليه، وسلّمت عليه، ووقفت بين يديه، ووجدت عنده طبقا من خوص نخل المدينة، فيه تمر صيحاني فكأنه قبض قبضة من ذلك التمر، فناولني فعددته فكان ثماني عشرة تمرة، فتأولت أني أعيش بعدد كل تمرة سنة.
فلما كان بعد عشرين يوما، كنت في أرض بين يدي تعمر للزراعة، حتى جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، من المدينة ونزوله ذلك المسجد، ورأيت الناس يسعون إليه.
فمضيت نحوه وإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبي (صلى الله عليه وآله)، وتحته حصير مثل ما كان تحته، وبين يديه طبق خوص فيه تمر صيحاني، فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام، واستدعاني فناولني قبضة من ذلك التمر، فعددته فإذا عدده مثل ذلك العدد الذي ناولني رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقلت له: زدني منه يا ابن رسول الله
فقال (عليه السلام): “لو زادك رسول الله (صلى الله عليه وآله) لزدناك”.
ثم خرج الإمام (عليه السلام) من “النباج”، في طريقه إلى الأهواز.
في الأهواز
كما ذكرت المصادر التاريخية المعتبرة، لما رحل الإمام الرضا (عليه السلام) من “النباج”، ورد سوق الأهواز، ومرض (عليه السلام) بسبب طقس الأهواز الحار والرطب جداً، فمكث فيها حتى شفى.
ثم قبل خروجه من الأهواز، أمر (عليه السلام) ببناء مسجد بعد مضيه، والدليل على ذلك أن في عصرنا هذا، يوجد مسجد ينسب إلى الإمام الرضا (عليه السلام)، في الأهواز وفي حي العامري بالتحديد، وهي منطقة قديمة تقع على ضفاف نهر كارون.
من الأهواز إلى فارس
وتحرك (عليه السلام) من الأهواز، وتابع طريقه حتى مر من فوق جسر “أربق”، التي تسمى بالفارسية “أربك”، وهي منطقة قرب مدينة آبيدج والتي تعرف الآن باسم “إيذه” ومدينة “رامهرمز”[رامز]، ثم إلى مدينة “أرجان”، التي تعرف الآن باسم “بهبهان”، فاستراحوا فيها قليلا، حيث تم من بعدها من قبل محبيه، إنشاء موضع قدم فيها للإمام الرضا (عليه السلام)، لازال موجودا إلى يومنا هذا يقصده الزوار، ومنها دخل الأمام (عليه السلام) إلى إقليم فارس.
في إقليم فارس
دخل الإمام (عليه السلام) إقليم فارس، ولكن لم يدخل مدينة “شيراز” مركز الإقليم، وتوجه نحو مدينة اصطخر التاريخية، وتوابعها كمدينة “أبرقو”، التي تسمى بالفارسية “أبركوه”، حيث تقع بين شيراز ومدينة يزد، وفي مدينة “أبرقو” هناك موضع قدم للإمام الرضا (عليه السلام) لازال موجودا.
واستمر الرضا (عليه السلام)، في مسيره بين “فارس” و”يزد”، حتى دخل إلى بداية طريق صحراوي بين يزد وخراسان.
المرور من صحراء يزد وطبس
دخل الإمام الرضا (عليه السلام)، إلى الإقليم السابع الصحراوي الخالي من السكنة، فمر بصحراء الكبرى “لوت”، بين يزد وخراسان بمجاورة مدن نائين ويزد، وطبس.
ولم تنقل لنا المصادر المعتبرة عما جرى على الإمام (عليه السلام)، في هذا المسير لأنه لم يدخل تلك المدن المشهورة، ولكن ذكرت بعض الكتب التاريخية الحديثة، أنه مر على مدينة نائين وضواحيها كقرية “بافران” أو “بادران”، وعلى قرى من ضواحي مدينة “يزد”، كقرية “خرانق” أو مشهدك وقرية “ده شير، فراشاه” لازالت موجودة ليومنا هذا، كما أن هناك مسجد “فرط” التاريخي، في مدينة “يزد” يقال أن الإمام الرضا (عليه السلام) صلّى فيه.
وهكذا استمر الإمام (عليه السلام)، بالمسير في تلك الصحراء الكبرى حتى وصل إلى إقليم خراسان الكبرى، ودخل مدينة نيشابور المشهورة.
في نيشابور
لعلّها أول مدينة مشهورة من مدن خراسان الكبرى، التي دخلها الإمام الرضا (عليه السلام) هي مدينة “نيشابور”، التي تبعد عن مدينة مشهد مئة وعشرين كيلومترا تقريبا، وهي مشهورة بحجر الفيروزج، ويستخرج من جبالها أجود أنواع الحجر الفيروزج، الذي ورد استحباب التختم به، كما تجد فيها الكثير من المعالم الدينية على مر العصور.
وأهل هذه المدينة معروفون بولائهم لأهل البيت (عليهم السلام)، ولذا تجد فيها وفي ضواحيها بعض المزارات المشهورة، كمزار “قدمگاه” وهو مقام ينسب إلى أقدام الإمام الرضا (عليه السلام)، حين مروره على هذه المدينة، ومزار محمد بن الصادق (عليه السلام)، المشهور بإمام زاده محروق، ومزار “بي بي شطيطة”.
في طريق مرو
وخرج الإمام الرضا (عليه السلام)، من نيشابور ومر على “رباط سعد” التي تقع بين نيشابور وطوس، ثم دخل قرية “سناباد نوقان” قرب مدينة طوس، وخرج الرضا (عليه السلام)، من طوس ومن قرية “سناباد نوقان” قاصد “مرو” فمر من مدينة “سرخس” إلى “مرو” مركز خلافة المأمون.
الوصول إلى “مرو”
عندما قدم الإمام الرضا (عليه السلام) إلى “مرو”، رحّب به المأمون أحسن ترحيب، وأكرمه ثم جمع خواص أوليائه وأصحابه، وعرض على الإمام (عليه السلام)، قبوله الخلافة والإمام يرفض، وبعد شهرين من الإصرار [الظاهر شعبان وشهر رمضان]، ولما يئس المأمون من قبوله للخلافة، عرض عليه ولاية العهد.