بقلم عبود مزهر الكرخي
فاطمة سيدة نساء العالمين
مما يلفت الأنظار في هذا السياق، كلمة النبي(ص) الشهيرة والتي كرّس فيها ابنته الزهراء سيدةً لنساء العالمين، أو نساء المؤمنين أو نساء أهل الجنة، على اختلاف الرواية في ذلك. فالاهتمام من قبل الرسول الأعظم للزهراء والتوقير كان من الهم الوقوف على هذه العلاقة بين الرسول والزهراء بحيث كناها بأم أبيها ثم يقوم لها عندما تدخل وحتى يقبل يديها والتي لم يبدها إلى أي أحد سواها سواء من ربائبه أو نسائه وكما قال الشاعر:
ما تمنى غيرها نسلاً ومن *** يلد الزهراء يزهد في سواها.
ويقول الشيخ حسين الخشن في مقالة قصيرة ع هذا الأمر فيقول: ” تكريس فاطمة(ع) سيدة لنساء العالمين يعني أنّها اختزنت في شخصيتها من عناصر الكمال الروحي والأخلاقي ما جعلها قدوة وسيّدة نساء العالمين، وهذا الأمر يحمّل كافة المسلمين من أتباع رسول الله (ص) والأوفياء لنهجه مسؤوليّة كبيرة في العمل على اكتشاف فاطمة(ع) ومعالم القدوة في شخصيتها، ومن ثمّ التعريف بشخصيتها الرساليّة للعالمين جميعاً، وذلك من خلال الأساليب التي يفهمها الجيل المعاصر، وتؤثر فيه؛ لأنّنا على يقين بأنّ من تكون سيدة نساء العالمين بتعيين رسول الله (ص)، لا تكون مجرد امرأة عادية، بل لا بدّ من أن تكون امرأة ملهمة ومعلّمة ومؤدبة ومثلاً أعلى يحتذى به على مرّ العصور. والسؤال الذي يطرح نفسه: إذن لماذا لا نعرف الكثير عن فاطمة؟ ولماذا يجهل الكثيرون حقيقتها ومعالم شخصيتها؟ ولماذا لم يهتم كتبة التاريخ بالإضاءة بما فيه الكفاية على مواقفها وكلماتها وخصائص شخصيتها؟ ولماذا يحرص البعض – في المقابل – على أن يحوطها بمجموعة من الأسرار والغيبيات التي تبعدها عن حياة الناس وواقعهم، ويجعلها مجرد أيقونة يقدّسها وليس نموذجاً يحتذى، أو أن يحبسها في أسر المظلومية التي تعرضّت لها بعد رحيل والدها رسول الله (ص)؟! إننا لا ننكر أن فاطمة امرأة ذات قدسية خاصة، وأنّها تعرّضت للكثير من المظالم بعد رحيل والدها رسول الله (ص)، بيد أنّ ذلك لا يجب أن ينسينا سائر مواقفها والصفحات المشرقة في كتابها الكبير.
والواقع أنّ التعامل الغيبي مع شخصيّة فاطمة الزهراء (ع) سيشكّل عائقاً ليس أمام الاقتداء بها فحسب، بل وعائقاً أمام فهم شخصيتها وهو ما يعدّ إحدى مظاهر المظلومية التي لا تزال تتعرض لها إبنة محمد (ص) بأن تكون مجهولة إلى هذا الحدّ.
لكن ورغم الحصار الذي تعرضت له سيدة النساء(ع)، فقد بلغنا عنها (ع) شيءٌ من عطائها الفكري والرسالي، وهو وإن كان عطاءً يسيراً ولكنّه عظيم الفائدة، وكفيل بأن يملأ الخافقين بالهدى والنور، لو أحسنا تمثله وتظهيره، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكارهون “(1).
ومن هنا نالت هذه الطاهرة المطهرة كل الفخر الآلهي في خلقها وتكوينها منذ ولادتها وخلال مسيرة حياتها لتكون منزلتها ومقامها عند رب العزة والجلال هو مقام رفيع إذ من المعروف إن الله عندما يرضى عن العبد فأنه حتماً تكون له منزلة ومقام رفيعين عند الله سبحانه وتعالى وإذن فكيف بفاطمة الزهراء التي خصها بمنزلة سامية وردت في أحاديث نبينا ألأكرم محمد(ص) وأئمتنا المعصومين (سلام الله عليهم أجمعين) ولنسرد هذه الأحاديث:
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك)).(2)
«كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالساً في المسجد إذ أقبل علي …، والحسن… عن يمينه والحسين … عن شماله، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وقبّل علياً وألزمه إلى صدره،
وقبل الحسن … وأجلسه إلى فخذه الأيمن، وقبّل الحسين … وأجلسه إلى فخذه الأيسر، ثم جعل يقبّلهما ويرشف شفتيهما ويقول: بأبي أبوكما وبأبي أمكما.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): ((أيـهـا الـنـاس إن الله سـبـحـانـه وتـعـالـى بـاهى بـهـما وبـأبـيـهـما وبـأمـهـمـا وبـالأبـرار من ولـدهما الملائكة جميعا)).(3)
ومن الطبيعي أن هذه المكانة لا تعطى الا من استحق الولاية التكوينية والولاية التكوينية والتشريعية فيها من الفقه الشيء الكثير والتي تطرقنا في مقالات سابقة والتي لاتدخل في مجال مبحثنا. ولكن نقول أن هذه الولاية التكوينية إلى أهل بيت رسول الله والتي من ضمنها أبنته فاطمة الزهراء(ع) لأنها بنت الرسول الأعظم والذي قال عن أبنته في وصفها (فاطمة أم أبيها)) وزوجة الوصي وأم الأئمة والتي من سلالتها والتي استشهدنا بحديث الأمام حسن العسكري (ع) في قوله عن الزهراء((أنها حجة علينا)). وهي سيدة نساء العالمين التي قال لها أبيها(ص)في اللحظات الأخيرة لوفاته الشريفة والتي ذكرتها عائشة وهو حديث معترف به من قبل كتب الصحاح والجماعة.
فمريم هي سيدة نساء عصرها وعندما نقرأ في قرآننا في قوله سبحانه وتعالى { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }(4).
فكان نبي الله زكريا(ع) يدخل عليها المحراب وكان الله تبارك وتعالى يكرم مريم بأن يرزقها بالطعام والشراب وينزلها إليها وهو يمثل الولاية التكوينية لهذه المراة الصالحة الطاهرة فكيف بفاطمة الزهراء وهي سيدة نساء الجنة والعالمين أي أنها سيدة مريم وآسيا بنت مزاحم وجميع نساء الجنة والعالمين إلا تكون لها الولاية التكوينية والتي يكرمها الله بها ويعطيها هذه السلطة والتي يقول عنها نبي الرحمة محمد(ص) (( من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ))(5).
وهي مفترضة الطاعة بموجب الولاية التكوينية التي لديها وهذا ماذكره الأمام أبو جعفر حيث يقول عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل:« ولقد كانت (عليها السلام) مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة »(6).
والتي اختص بها الله سبحانه عباده الصالحين وفي مقدمتهم الزهراء روحي لها الفداء والشرط الضامن لذلك أنها سيدة نساء العالمين وهذا ماتورده كافة الفرق ومن ضمنهم أهل السنة وفي صحاحهم ولنورد هذين الحديثين ومن كتب أهل السنة والجماعة لنختم جزئنا هذا من مقالنا البحثي.
ففي الخبر عن عائشة أن النّبي (صلى الله عليه و آله) قال و هو في مرضه الّذي توفّي فيه: ” يا فاطمة ألا ترضينَ أن تكوني سيّدةَ نساء العالمين، وسيّدةَ نساء هذه الاُمّة، و سيّدة نساء المؤمنين “. (7)
والحديث عن منزلة فاطمة الزهراء(ع)وإنها سيدة نساء العالمين والموجود عند جميع كتب أهل السنة وهو يقول: 3426 – حدثنا: أبو نعيم ، حدثنا: زكرياء ، عن فراس ، عن عامر الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة (ر) ، قالت: أقبلت فاطمة تمشي كان مشيتها مشي النبي (ص) ، فقال النبي (ص) : مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت، فقلت لها: لم تبكين ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عما، قال: فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله (ص) حتى قبض النبي (ص) فسألتها، فقالت: أسر إلي إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي فبكيت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك }(8).
ونقول أن { فاطمة سيّدة نساء العالمين }(9) وهذا الحديث هو موجود وباعتراف كل الفرق والجماعة فلماذا هذا يتم الإنكار من قبل أئمة الجهل والضلال ليقوموا في خطبهم بالتضليل والتحريف والتقليل من منزلة الزهراء مع العلم أن كل هذا هو موجود في كتبهم وصحاحهم ونقول إن لله في خلقه شؤون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.