قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾1.
التوبة باب الله الآمن، الذي فتحه الله إلى ساحة عفوه “إلهي أنت الذي فتحت لعبادك باباً إلى عفوك سمّيته التوبة”2، والذي تركه الله تعالى مفتوحاً بالليل والنهار، ملجأً ومأوىً لعباده الهاربين من واقعهم المنحرف ليدخلوه متى أرادوا، بمجرّد أن يتولَّد عندهم رغبة مخلصة في التطهُّر من دنس الخطايا والذنوب والمعاصي.
والتوبة دعوة ربّانية مفتوحة وموجّهة لكل المذنبين في الأرض، والمذنبون جميعاً مدعوون لقبول هذه الضيافة الإلهية، من أجل أن يضعوا حدّاً لفسادهم وغيِّهم وتساقطهم وراء الملذّات الدنيوية الرخيصة، وأن لا ييأسوا من رحمة الله. يقول تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾3.
ما هي التوبة النَّصوح:
تتضمّن الآية الكريمة – المذكورة في تصدير الموعظة – حثّ صريح على التوبة النصوح، والتوبة النصوح أعلى درجات التوبة أو التائبين، بعد الدرجات الأولى للتوبة من ترك الذنوب مدّة أو ترك الكبائر. ولهذا كان من الضروري توضيح معناها: فالنصح يأتي لغة بمعنى: “الإخلاص، نحو نصحت له الود أي أخلصته”4، فالتوبة النصوح هي التي تصرف صاحبها عن المعصية، وتخلِّصه من الرجوع إلى الذنب وذلك بتحرّي جميع الطرق التربوية التي تصدّه عن المعصية.
ومعناها حسب ما ورد في الروايات عن أهل البيت عليهم السلام هي التوبة التي لا يعود فيها التائب إلى الذنب الذي تاب عنه، على ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه خطب يوماً بالمسلمين فقال: “أيها الناس توبوا إلى الله توبة نصوحاً قبل أن تموتوا بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا…”5.
وعن أبي بصير قال: “قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحً﴾ قال: هو الذنب (أي التوبة من الذنوب) الذي لا يعود فيه أبداً، قلت وأيّنا لم يعد؟ فقال: يا أبا محمد إن الله يحبُّ من عباده المفتتن التوّاب”6.
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام يَقُولُ: “إِذَا تَابَ الْعَبْدُ تَوْبَةً نَصُوحاً أَحَبَّهُ الله فَسَتَرَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ وَكَيْفَ يَسْتُرُ عَلَيْهِ قَالَ يُنْسِي مَلَكَيْهِ مَا كَانَا يَكْتُبَانِ عَلَيْهِ وَيُوحِي الله إِلَى جَوَارِحِهِ وَإِلَى بِقَاعِ الْأَرْضِ أَنِ اكْتُمِي عَلَيْهِ ذُنُوبَهُ فَيَلْقَى الله عَزَّ وَجَلَّ حِينَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ شَيْءٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنَ الذُّنُوبِ”7.
فحقيقة التوبة النصوح أرقى بدرجات من التوبة التي يعود فيها الإنسان إلى الذنوب، وبالتالي فإنّ أثرها يختلف عن آثار التوبة العادية، كما أَنَّ شروطها كذلك.
وهذا الأمر بقدر ما يستبطن من الصعوبات، فإنّه في الوقت نفسه له آثارٌ عظيمة في حياة الإنسان، خصوصاً الشباب.