تمام الكلام في نسبة القبة الشمّاء لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام، وفي ذلك أدلة ودلائل، لتقوية القلب وتعميق الفكر، وتنوير البصيرة، وزياردة في النور، وهو ليس رداً على أحد، فما يثار هنا وهنالك لا يستحق الرد، ولكن هي هدية للمؤمنين العلويين، وهي أربعة أدلة:
تواتر الروايات
ألّف العلّامة الكبير السيد ابن طاووس ( ت 693 هـ ) كتابا مستقلا أسماه ( فرحة الغري في تعيين مرقد أمير المؤمنين في النجف) ضمنه عشرات الروايات من لدن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام) ( راجع الكتاب من ص 56 – 138 تجده يذكر عشرات الروايات في هذا الجانب ) التي تثبت بمجموعها تواترا يستفاد منه صحة نسبة هذا القبر والمرقد الموجود الآن في النجف الأشرف إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام )، وهو ما صدح به أعلام الطائفة كما سنشير إليه في الدليل الثاني.
إجماع الطائفة
1- قال العلامة الأربلي – من علماء القرن السابع – في كتابه ” كشف الغمّة ” : (( كل الشيعة متفقون على أنه دفن بالغري حيث هو معروف الآن يزار بأخبار يروونها عن السلف وفيهم الإمام المعصوم)). ( كشف الغمة في معرفة الأئمة 2: 66).
2- جاء عن العلامة الديلمي – من علماء القرن الثامن – في كتابه ” إرشاد القلوب ” : (( أما الدليل الواضح والبرهان اللائح على أن مرقد أمير المؤمنين الشريف ” ع ” موجود بالغري فمن وجوه :
الأوّل – تواتر الإمامية الاثني عشرية يرويه خلف عن سلف.
الثاني-اجتماع الشيعة والاجماع حجة.
الثالث – ما حصل عنده من الآثار والآيات وظهور المعجزات عند المرقد المقدس )). ( إرشاد القلوب 2: 233).
3- صرّح العلامة المجلسي صاحب البحار وهو الخبير بجمع الأحاديث والروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، قائلاً: (( اتفقت الشيعة سلفا وخلفا نقلا عن أئمتهم صلوات الله عليهم أنه صلوات الله عليه لم يدفن إلا في الغري ، في الموضع المعروف الآن ، والاخبار في ذلك متواترة )) . ( بحار الأنوار 97: 251).
4- جاء عن العلّامة السيد محسن الأمين في كتابه (أعيان الشيعة): (( أما الشيعة فمتفقون خلفاً عن سلف نقلاً عن أئمتهم أبناء أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه لم يدفن إلاّ في الغري في الموضع المعروف الآن ووافقهم المحقّقون من علماء سائر المسلمين والأخبار فيه متواترة )). (أعيان الشيعة 1: 535 ).
الروايات الصحيحة السند الدالة على أنّ مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) هو في النجف الأشرف:
بعد تمامية الدليلين المتقدمين ( تواتر الروايات وإجماع علماء الطائفة ) يكون البحث في الأسانيد من نافلة القول وليس ضرورياً، لكننا من باب قطع دابر المشاغبين نذكر هذه الروايات بأسانيدها الصحيحة حتى تكتمل الصورة عند المتلقي.
فقد ذكر المحدّث الجليل جعفر بن قولويه في كتابه ( كامل الزيارات ) في الباب (9) تحت عنوان : الدلالة على مرقد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ( 13) رواية ، منها هذه الروايات الصحيحة :
1- قال ابن قولويه ( المحدث الجليل الثقة بالاتفاق ) : حدثني محمد بن جعفر الرزاز (الثقة : المفيد من معجم رجال الحديث : 507)، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الزيات ( الثقة : المصدر السابق : 518) ، عن الحسن بن محبوب ( الثقة : المصدر السابق : 152) ، عن إسحاق بن جرير ( الثقة : المصدر السابق 56) ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال :اني لما كنت بالحيرة عند أبي العباس كنت آتي قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ليلا وهو بناحية نجف الحيرة إلى جانب غري النعمان ، فاصلي عنده صلاة الليل وانصرف قبل الفجر . انتهى ( كامل الزيارات : 88).
2- وروى ابن قولويه قال : حدثني محمد بن عبد الله ( الحميري الثقة : خاتمة المستدرك للطبرسي 6: 35 ، المفيد من معجم رجال الحديث : 543)، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي ( الثقة : المصدر السابق : 487 ) ، عن موسى بن عمران النخعي ( الثقة : المصدر السابق : 629 ) ، عن الحسين بن يزيد ( النوفلي الثقة : المصدر السابق : 183 ، ولمحل اجماع الطائفة بقبول روايات السكوني التي نادراً ما تكون عن غير طريق النوفلي ) ، قال حدثنا : صفوان بن مهران ( الجمال الثقة : المصدر السابق : 287) عن جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ، قال : سار وانا معه من القادسية حتى أشرف على النجف … فلم يزل سائرا حتى أتى الغري ، فوقف على القبر ، فساق السلام من آدم على نبي نبي ( عليهم السلام ) ، وأنا أسوق معه ، حتى وصل السلام إلى النبي( صلى الله عليه وآله ) ، ثم خر على القبر ، فسلم عليه وعلا نحيبه ، ثم قام فصلى أربع ركعات وصليت معه وقلت : يا بن رسول الله ما هذا القبر ، فقال : هذا قبر جدي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) . ( كامل الزيارات : 85).
3- وروى ابن قولويه ( رضوان الله عليه )، قال : حدثني محمد بن أحمد بن علي بن يعقوب ( الثقة : المفيد من معجم رجال الحديث : 494) ، عن علي بن الحسن بن علي بن فضال ( الثقة : المصدر السابق : 389)، عن أبيه ( الثقة : المصدر السابق : 148 ) ، عن الحسن بن الجهم بن بكير ( الثقة : المصدر السابق : 136) ، قال : ذكرت لأبي الحسن – الكاظم – ( عليه السلام ) يحيى بن موسى وتعرضه لمن يأتي قبرأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وانه كان ينزل موضعا كان يقال به الثوية يتنزه إليه ، الا وقبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فوق ذلك قليلا ، وهو الموضع الذي روى صفوان الجمال ان أبا عبد الله وصفه له ، قال له فيما ذكر : إذا انتهيت إلى الغري ظهر الكوفة ، فاجعله خلف ظهرك وتوجه إلى نحو النجف ، وتيامن قليلا ، فإذا انتهيت إلى الذكوات البيض والثنية امامه فذلك قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وانا اتيته كثيرا ، ومن أصحابنا من لا يرى ذلك ويقول : هو في المسجد ، وبعضهم يقول : هو في القصر ، فارد عليهم بان الله لم يكن ليجعل قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في القصر في منازل الظالمين ، ولم يكن يدفن في المسجد وهم يريدون ستره ، فأينا أصوب ، قال : أنت أصوب منهم ، اخذت بقول جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) . ( كامل الزيارات : 85).
4- وأيضا روى ابن قولويه بسند صحيح هذه الرواية عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سألت الرضا ( عليه السلام ) فقلت :
أين موضع قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقال : الغري ، فقلت له : جعلت فداك إن بعض الناس يقولون : دفن في الرحبة ، قال : لا ، ولكن بعض الناس يقول : دفن بالمسجد .( كامل الزيارات : 88).
شهادة علماء أهل السنّة بأن مرقد أمير المؤمنين عليّ عليه السلام هو هذا القبر المشهور الذي يزار به في النجف الأشرف :
1- ذكر ابن الأثير في كتابه ” الكامل في التاريخ ” : (( والأصح أنّ قبره هو الموضع الذي يزار ويتبرك به )). ( الكامل في التاريخ 3: 396)
2- عن أبي الفداء في كتابه “المختصر ” : ((والأصح الذي ارتضاه ابن الأثير وغيره أن قبره هو المشهور بالنجف وهو الذي يزار اليوم )) . ( المختصر 1: 93)
3- عن ابن الوردي في “تتمة المختصر” : (( والأصح الذي ارتضاه ابن الأثير وغيره انّه بالنجف)) ( تتمة المختصر 1: 249).
4- جاء في ” الفتوح ” لابن أعثم : (( دفن في جوف الليل الغائر بالموضع الذي يقال له الغري)). ( الفتوح 1: 509).
5- عن ابن الطقطقي في كتابه ” الفخري ” : (( أما مدفن أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنه دفن ليلا في الغري، ثمّ عفي قبره إلى أن ظهر حيث مشهده الآن)). ( الفخري : 90).
6_ وجاء في صبح الأعشى للقلقشندي الشافعي ص 256 ج 3 : (( وقتل علي لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة أربعين من الهجرة بالعراق ودفن بالنجف على الصحيح المشهور )) .
وقال أيضاً ص 334 عند ذكره الكوفة : (( وعلى القرب منها مشهد أمير المؤمنين كرم الله وجهه دفن يقصده الناس من أقطار الأرض ))، انتهى
هذه جملة أدلة ووجوه في إثبات نسبة القبّة الغرّاء في النجف الأشرف لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام ويوجد غيرها كثير :
{ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ }
صدق الله العلي العظيم
بسم الله تّبصر
بهاء الموسوي