تولى الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف مسؤولية الإمامة بعد وفاة أبيه عليه السلام، وهو ابن خمس سنين سنة 260 هجرية، وصغر سن الإمام ليس ظاهرة غريبة، فالإمامة هبة يمنحها الله تعالى من يشاء من عباده، فيمن تتوافر فيه عناصر الإمامة وشروطها شأنها في ذلك شأن النبوة، فقد أوتي النبي يحيى عليه السلام الحكم صبياً” وقام عيسى بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين.
مسؤولية الإمام العسكري عليه السلام تجاه ولده:
بعد ولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف واجه الإمام الأب وظيفتين مزدوجتين تجاه ولده عليه السلام:
1- إثبات وجود المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف تجاه التاريخ وتجاه الأمة الإسلامية وتجاه قواعده ومواليه، مع الحذر من السلطة، دون أن يبلغ به الحذر والكتمان إلى إخفائه الكامل، بحيث يؤدي إلى انطماس اسمه وإنكار وجوده، وإقامة الحجة في وجوده على الموالين خاصة، والمسلمين عامة، داحضاً بها المزاعم التي تزعم بعدم وجوده أو أنه ليس للإمام العسكري من ولد.
2- التخطيط لحماية المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من محاولات قتله ومطاردته من قبل السلطات، التي أبدت اهتمامها الشديد والمركز، ومحاولاتها المستميتة للقضاء عليه وتجنيد كل قواها وعيونها من أجله لأن ولادته عليه السلام تعني الحكم على نظامهم بالموت المحتم وفضح مخططاتهم وانحرافهم عن أوامر الإسلام.
ومما زاد في دقة وحرج موقف الإمام العسكري عليه السلام في تحقيقه لهذين الهدفين أو الوظيفتين المزدوجتين تجاه ولده عليه السلام تعرضه لأضواء السلطة ومراقبتهم الدائمة له، وباعتباره القائد الإسلامي لقواعد شعبية واسعة من المسلمين، وتمثيله لجبهة الرفض المعارضة والمناوئة للسلطة الحاكمة انذاك.
ومن هنا كان تخطيط الإمام عليه السلام في اجتياز هذا المأزق بسلام هو ترك الإعلان أو الكشف عن ولادة ابنه عليه السلام وكأن شيئاً لم يحدث على الإطلاق “حتى أن الخادم في بيت الإمام العسكري لم ينتبه إلى شيء ولم يفهم شيئاً”.
ومما ساعد الإمام العسكري وأعانه على نجاح خطة إخفاء الولادة احتجابه عن أصحابه ومواليه إلا بواسطة المراسلات، وتعود قواعده ومواليه على فكرة الإحتجاب والإتصال بقيادة الإمام عن طريق نظام الوكلاء وتسلسله الهرمي، وانشغال الدولة وأجهزتها بحركة صاحب الزنج عام 552هـ.
وإلى هنا استطاع العسكري عليه السلام أن يضمن حماية ولده عليه السلام من بطش السلطة وكل من يدور في فلكهم. وكان الإمام عليه السلام يلزم كل من يطلع على أمر ولادة ولده المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بوجوب الكتمان. وقد كتب الإمام العسكري عليه السلام لأحمد بن إسحاق: “وُلِدَ لنا مولود، فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً”.
وكان يؤكد عليه السلام أيضا على حرمة إطلاع أحدٍ على اسمه عليه السلام وكان عثمان بن سعيد العمري يقول لمن يسأل عن اسم الإمام عليه السلام: “إياك أن تبحث عن هذا”.
وكان الإمام عليه السلام يحتاط كثيراً من التصريح باسمه لأحد ويكتفي بالقول لهم: “هذا صاحبكم” ويقتصر في التصريح باسمه على أقل القليل من أصحابه.
وكان يكفي في علم الإمام هذا القدر من الإطلاع وإن كان الاسم مجهولاً، بل يكفيهم الإيمان بوجود إمامٍ يرجعون إليه في الأحكام والمشاكل، ولا يتوقف ذلك على معرفة اسمه بعد معرفة شخصه وإمكان الإتصال به عن طريق سفرائه.
ولعل أوسع إعلان قام به العسكري عليه السلام بين أصحابه عن ولادة ابنه من بعده، وذلك قبيل وفاته بأيام، وقد كان غاصاً بأربعين من أصحابه ومخلصيه منهم محمد بن عثمان ومعاوية بن الحكيم ومحمد بن أيوب… يعرض عليهم ابنه عليه السلام ويقول لهم “هذا صاحبكم بعدي وخليفتي عليكم… وهو القائم الذي تُمد إليه الأعناق بالإنتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً”.